محمد علي فرحات

إعلان «داعش» مسؤوليته عن العملية الإرهابية في تورونتو التي نفذها أحد أعضائه بإطلاق النار عشوائياً في أحد شوارع الحي اليوناني وقتله شخصين وإصابته 12 بجروح، الى أن قتلته الشرطة. هذا الاعلان لم يكن مدعاة أسف للكنديين والعالم فقط، بل ترك صدمة لدى اللاجئين السوريين حديثاً الى كندا هرباً من الحرب في وطنهم.

لم ينسَ هؤلاء أن كندا استقبلت عدداً منهم يفوق ذلك المخصص لها دولياً. كانت الزيادة كبيرة كما كان الاستقبال مميزاً، إذ وضعت الزينة في المطار ترحيباً، وانشغلت إدارات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص بتهيئة متطلباتهم بسرعة غير مسبوقة. كان رئيس الوزراء جاستين ترودو في مقدم المستقبلين، مستنهضاً الحسّ الإنساني لمواطنيه ليتقبلوا الدفعة الاستثنائية من اللاجئين، خلافاً للتقليد الذي ينفذ سياسات للهجرة تسمح بتكيّف الوافدين ولا ترهق الادارات الحكومية والأهلية المعنية.


حكومة ترودو القائمة حالياً تضم 30 وزيراً نصفهم من النساء، وبينهم مهاجرون من الجيلين الأول والثاني. نذكر هنا وزيرة شؤون المرأة مريم منصف التي تشغل أيضاً مقعداً في البرلمان الفيديرالي عن تورونتو حيث نفذ الإرهابي جريمته، وكانت وصلت الى كندا في الحادية عشرة من عمرها مع والدتها وشقيقتيها هرباً من الحرب في وطنها أفغانستان حيث قتل والدها. هذه الوزيرة اليتيمة الأب أتى «داعش» الى مدينتها ليؤكد أن يد الإرهاب طويلة وأن الهرب من جرائمه لا يجدي لكونه لعنة على المسلمين في أوطانهم وفي مهاجرهم.

والإرهاب الذي يتخذ الاسلام شعاراً يتسبب، إضافة الى التراجع الاقتصادي، بنهوض تيارات يمينية متطرفة تعادي المهاجرين وترفض تنوع المجتمع، حالمة بنقائه. هذا النهوض يطلق العداء للمهاجرين عموماً وللمسلمين والعرب منهم بشكل خاص. وهنا يبدو التطرف الإسلامي الظاهرة الأكثر إضراراً بالمسلمين أنفسهم، وربما لا يتوصل أعداؤهم، إنْ وجدوا، الى فظاعة ما يفعل بهم «داعش» وأشباهه.

وحين يرفض الإرهابي وطنه وسائر الأوطان، فإنه يعولم الأذى إذ يجعله عابراً للحدود والثقافات. هنا تطرح مشكلة التطرف الديني أو القومي في المجتمعات الديموقراطية وتلك القائمة على التعددية الثقافية، فالمهاجرون سيصبحون مواطنين ويندمجون على رغم التقدم التكنولوجي الذي «يأسرهم» أمام القنوات الفضائية لأوطانهم الأم. هذا الاندماج، بالنسبة الى المسلمين خصوصاً، يستدعي وجود أئمة مساجد محليين يعرفون جيداً ظروف العيش في مجتمع المهاجرين، فالأئمة المستحضرون من بلاد عربية أو إسلامية لا يتقنون مخاطبة المؤمنين في مجتمعات متعددة، إذ ينقلون عادات وتقاليد بلادهم الى هؤلاء باعتبارها ملزمة للمسلم الحق، وقد تؤدي نصائحهم و «فتاواهم» الى دفع المؤمن نحو كراهية وطنه الجديد، وربما العداء في بعض الأحيان. ولا ننسى أن الإمام المحلي يتقن لغة بلاده ويعرف مخاطبة مواطنيه، بما يقدم صورة ايجابية عن الاسلام كعنصر جمع واتحاد لا عنصر تفريق وانفصال.

وبالعودة الى «داعش»، ومن قبله «القاعدة»، فإن سلوكهما الإجرامي يستند الى عولمة القتل لا عولمة التعارف، ويُشكل تحدياً للديموقراطية والتعددية، مطلوب من عرب بلاد الهجرة ومسلميها مواجهته بوعي للذات المتشابكة مع الآخر في مصير إنساني واحد.

هل تنقل الوكالات أخباراً عن تظاهرات سوريين ومصريين ولبنانيين تضامناً مع كندا ترودو ضد «داعش»؟ ربما.