تشهد الأحزاب السياسية في المغرب جدلاً بخصوص «القاسم الانتخابي» نتيجة لقاء تشاوري جمع زعماء الأحزاب السياسية الممثّلة في البرلمان، للتداول في التعديلات التي يمكن إدراجها في القوانين الانتخابية استعداداً للاستحقاقات التشريعية التي ستُجرى العام المقبل.

بعد هذا اللقاء اندلعت حرب بيانات قيادات هذه الأحزاب، إذ ألحّ أغلبها على احتساب القاسم الانتخابي بناء على قاعدة عدد المسجّلين في اللوائح الانتخابية، أي على عدد الأصوات المعبّر عنها، غير أن حزب العدالة والتنمية الذي يترأس الحكومة قد عبّر عن رفضه لهذا الاقتراح، الذي يُخالف في رأيه «المقتضيات الدستورية والمنطق الانتخابي السليم»، مؤكداً احتساب القاسم الانتخابي بناء على قاعدة الأصوات الصحيحة بعد خصم الأصوات الملغاة.

يحكم هذان الموقفان المتعارضان مساراً انتخابياً براغماتياً هشّاً، حبيس المصلحة الحزبية الضيّقة التي لا يهمها إلا الفوز في الانتخابات، فإذا كانت الطريق الأولى تمكن الحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات من مقعد واحد، والطريقة الثانية تمكن الحزب الذي حصل على الدرجة الأولى من الفوز بأكثر من مقعد في الدائرة الواحدة استناداً إلى قاعدة أكبر بقية، فهذا يعني أن هناك صراعاً انتخابياً تحدّده الرغبة في المحاصصة بعيداً عن أن يكون صراعاً سياسيّاً تنافسيّاً قائماً على برامج واضحة، لقد أصبحت الرغبة في الحكم لدى الأحزاب السياسية في المغرب لا تهتم بالانتخابات كمحطة للمراجعات وتقييم مرحلة من المسؤولية، بالنسبة للأغلبية، أو كمرحلة لتتويج عمل دؤوب في الارتباط بهموم المواطن وتأطيره، بالنسبة للمعارضة.

كان من المفترض ألا يتحوّل النقاش حول القاسم الانتخابي إلى معركة تحاول إيهام المواطن بجدية المؤسسة الحزبية ودفاعها عن الديمقراطية، لأن هذه اللعبة أصبحت مكشوفة بعد أن تأكّد موضوعيّاً للمغاربة أن الحزب السياسي في المغرب فقد اليوم شرعية الامتداد وأصبح عالة الدّولة، لم يعد له أي تأثير في ضبط التوازنات بين الدولة والمجتمع، وعجز عن لعب أبسط دور فيما عرفته مدينتَي الحُسيمة وجرادة من توترات، كما بقي مشلولاً أمام تحمّل أيّ مسؤولية أو خلق مبادرات ميدانية تجاه جائحة كورونا.

كان في المقدور، أن تبادر هذه الأحزاب أغلبية ومعارضة، قبل مناقشة القوانين الانتخابية، إلى تقديم نقد ذاتي مشترك أمام المغاربة تعترف فيه بعجزها، الذي راكمته طيلة المدة التشريعية السابقة، وكان حرياً بها أن تجعل من مناقشة القاسم الانتخابي محطة لنقاش سياسي ودستوري وقانوني حول الظروف التي ستُجرى فيها الانتخابات التشريعية في السنة المقبلة، وهي تستحضر صعوبة المرحلة التي يشهدها المغرب في ظل جائحة كوفيد-19.

كان عليها أن تمتلك الجرأة على الاعتراف بأنها لم تعد قادرة على إقناع الشارع، وبأنها فشلت في لعب دور الوساطة وغير مرغوب فيها مجتمعيّاً، وكانت ستنقذ ماء وجهها لو بادرت بطلب تأجيل الانتخابات، بدون تبرير دستوري، إلى حين مراجعة ذاتها وتصالحها مع المجتمع.