لماذا، وبعد ثلاثة عقود من التدخل العسكري الأمريكي المكثف في الشرق الأوسط، أصبحت المنطقة غير آمنة وغير مستقرة أكثر من ذي قبل؟ هذا السؤال كان أساس تقرير جديد صدر عن «معهد كوينسي» لفن الحكم المسؤول، «نموذج أمريكي جديد للشرق الأوسط.. إنهاء سياسة الهيمنة الأمريكية المضللة».
حالياً، تمتلك الولايات المتحدة 55000 جندي منتشرين عبر 53 قاعدة ومنشآت عسكرية مشتركة، وتشارك في قتال مباشر في ثلاث دول على الأقل بينما تشن حربا بالوكالة في دول أخرى.
يصف تقرير معهد كوينسي تحولًا في اتجاه السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ويدعو إلى انخفاض كبير في البصمة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، ويفضل زيادة المشاركة الدبلوماسية مع الجهات الفاعلة في المنطقة. وهذا يشمل الدعم الأمريكي لهيكل أمني إقليمي جديد بقيادة محلية، وهو شيء مشابه لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو منتدى الآسيان الإقليمي.
كتب الورقة ضابط المخابرات الأمريكية السابق بول بيلار، وهو زميل غير مقيم في معهد كوينسي. وأندرو باسيفيتش رئيس معهد كوينسي، وأنيل شلين، زميل باحث في برنامج الشرق الأوسط التابع لشركة QI، وتريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لشركة QI.
ويسترشد معهد كوينسي بكلمات جون كوينسي آدامز، الذي تم تسمية مركز الأبحاث باسمه، ويدافع عن مناهضة الشرطة الأجنبية التي تتميز بالذهاب إلى الخارج بحثاً عن الوحوش لتدميرها، ومن أجل نهج يرتكز على ضبط النفس العسكري والدبلوماسية القوية. ومنذ الحرب الباردة، حددت القيادة الأمريكية مصالحها الوطنية بمصطلحات واسعة ودائمة التوسع، ما أدى بها إلى المغامرة في دول أجنبية والتدخل في شؤونها مع عواقب وخيمة. ويسعى تقرير QI إلى تحديد تعريف ضيق ل «لمصالح الولايات المتحدة»، وهي عبارة أصبحت بلا معنى بشكل متزايد خلال العقود القليلة الماضية حيث توسع نطاقها بلا هوادة.
وبالنظر إلى أضرار الحرب، يفترض التقرير أن الاستخدام الأمريكي للقوة العسكرية في الشرق الأوسط يجب أن يسترشد بهدفين رئيسيين: أولاً، حماية الولايات المتحدة من الهجوم، وثانياً، تسهيل الأعمال والتدفق الحر للتجارة العالمية.. بالإضافة إلى هذه الأولويات الرئيسية، فإن للولايات المتحدة أيضاً «مصالح من الدرجة الثانية»، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان واحتواء تدفقات اللاجئين المزعزعة للاستقرار.
ومن خلال التحديد الدقيق للمصالح الأمريكية، يحدّ هذا الإطار الجديد بشدة من الأساس المنطقي للتدخل العسكري الأمريكي في الخارج. وفي كثير من الأحيان في العقود الأخيرة، تعامل القادة الأمريكيون مع المصالح من الدرجة الثانية على أنها مصالح أساسية، مستخدمين مبررات «إنسانية» للتدخل في دول مثل ليبيا وأفغانستان - ولكن نادرا ما يحققون نتائج إنسانية. وزادت هذه التدخلات الإنسانية من زعزعة استقرار المنطقة وخلقت مساحة للجماعات الإرهابية، ما يهدد في النهاية المصالح الجوهرية الحقيقية للولايات المتحدة.
ويدحض التقرير الحجة التقليدية القائلة إن الوجود الأمريكي ضروري لحماية حقوق الإنسان.
والفوائد التي تعود على حقوق الإنسان من الوجود العسكري قد فاقها إلى حد بعيد التهديد المستمر الذي يشكله على حياة الناس في المنطقة. و«يمتنع صانعو السياسة في الولايات المتحدة باستمرار عن الاستفادة من النفوذ الأمريكي للتأثير بشكل هادف في السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان».