يبدو أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اختار توقيتاً ذكياً في زيارته للمملكة والإمارات؛ فهو يدرك أن زيارة كهذه ستزعج حكومة ملالي إيران التي تتحكم من خلال الميليشيات في الداخل العراقي، لكنه يدرك أيضا أن الإيرانيين لن يرتكبوا حماقات من شأنها إعاقة الجلوس مع الأمريكيين على طاولة المفاوضات بشأن الاتفاقية النووية. ويبدو أن الأمور سارت حتى الآن كما خطط لها الكاظمي، فلم تصعد الميليشيات الإيرانية تصعيداً ذا بال، واكتفت ببعض التصريحات الصحفية الفارغة، التي تشكك في جدوى تلك الاستثمارات ليس إلا. مصطفى الكاظمي يعلم يقينا أن إعمار ما دمرته الحرب في العراق يمر من خلال المملكة والإمارات، كما بات من الواضح الجلي أن الأغلبية الكاسحة من العراقيين يرحبون بهذا التعاون مع الخليج، فهم لم يجنوا من ملالي الفرس إلا انتشار الأسلحة وتعدد الميليشيات التي يهمها أن يبقى العراق مجرد خط دفاع أول عن إيران، إضافة إلى بقائه فقيراً معدما لكي يتمكن الملالي من تشكيل الميليشيات من أبنائه، وتوجيهها لخدمة خطط إيران التوسعية. وهناك معادلة تقول: إذا تم تعمير وتنمية العراق اقتصاديًا فإن قدرة إيران على السيطرة عليه ستتضعضع.

ورغم أن توقيت زيارة الكاظمي قد ضيق قدرة إيران على المناورة، إلا أن قائد فيلق القدس الجديد إسماعيل قاآني قدم إلى بغداد بعد زيارة الكاظمي، بغرض توجيه الميليشات الايرانية هناك بالتزام الهدوء وعدم التصعيد، إضافة إلى محاولة إيران كبح جماح الكاظمي للاتجاه نحو الخليج، والتأكيد على أن الجنرال الإيراني قاآني مازال يملك خيوط اللعبة في العراق. الأمريكيون يهمهم إعمار العراق، وهم يعلمون أن الخليجيين هم فقط القادرون على إعمار العراق، وإنقاذ إنسانه من الفقر والجوع والعوز، أما الإيرانيون فلا يملكون إلا الميليشات، وفيما يتعلق بالأموال فالايرانيون أحوج من العراقيين إليها، غير أن الإيرانيين لن يفرطوا بالعراق إلا إذا أرغموا على ذلك، فالعراق يعتبره ملالي الفرس خط الدفاع الأول عن الحدود الإيرانية، وسوف يبذلون كل ما في وسعهم لإبقاء الاحتلال الفارسي قائماً؛ إلا أن تمرد العراقيون، بما في ذلك الشيعة منهم، سيضع الإيرانيين في موقف صعب، فإشعال النزعة الطائفية يبدو أنها لم تعد تعمل كما كانت بعيد الاحتلال الأمريكي وجرائم داعش الوحشية، والعراق اليوم، بعد أن جرب الطائفية والطائفيين والجرائم التي ارتكبوها في العراقيين بعد انتفاضتهم الأخيرة، أصبح هناك عودة لا تخطئها العين إلى القومية العربية، وتفرقت الجموع عن دعاة الطائفية وملاليهم، والملالي يدركون تمام الإدراك أن العراقيين إذا شعروا بالمردودات الاقتصادية من الاستثمارات الخليجية سيتشبثون أكثر بأرومتهم العربية، بالشكل الذي يسحب البساط من ميليشات الفرس.

زيارة الكاظمي للمملكة والإمارات سيكون لها قطعا آثار ايجابية من شأنها إعادة العراق إلى الحضن العربي.

إلى اللقاء