لكل زمان دولة ورجال.. ولكل زمان معادن وعناصر، وسبحان الله أن عنصر اليورانيوم عاد إلى الساحة الدولية بقوة بعدما برزت أهمية تخصيبه في إيران، وما يترتب عليه من نتائج في التسليح النووي.
ولنعُد إلى البدايات فنجد أن قبل حوالي مائة عام سطع نجم هذا العنصر بسبب ولادة عالم المواد المشعة في عالمي الفيزياء والكيمياء.. كان اسم المعدن الذي يستخرج منه عنصر اليورانيوم "بيتش بلند" بمعنى الخداع لأنه كان أحد مخلفات مناجم الفضة، وكان يعتبر من مؤشرات سوء الطالع. ومن طرائف العناصر الكيميائية التي تحتاج إلى وقفة تأمل وإعجاب هي أن معظمها كالبشر.. بعضها عندها "شوفة حال" فلا تتفاعل مع أي من العناصر الأخرى مثل الغازات النبيلة ومنها "الهليوم" و"النيون".. وبعضها وديعة وتعشق "الوناسة" مثل الكربون الذي يتربع على عرش فنون الاتحاد مع الكل بدون دراما ولا عصبية.. وبعضها عصبية وشرسة مثل عنصر "الفلور" الذي يسرق ويدمر.. وفوق كل العناصر يتربع اليورانيوم بإحدى أغرب الخصائص فهو كالشخص الذي لا يطيق نفسه.. وذلك بسبب حجم ذراته فهي ضخمة ونواتها في حالة مشحونة وهشة مما يجعلها تريد أن "تخرج عن طورها".. ولذا فالعنصر على قمة العناصر المشعة الطبيعية لأن بداخله أعلى كثافة نووية في الطبيعة.
جدير بالذكر أن الله عز وجل قد أنعم علينا باثنين وتسعين من العناصر الطبيعية وتسعة منهم مشعة وأثقلهم على الإطلاق هو اليورانيوم. وتغيرت أحواله بسرعة عجيبة في مطلع القرن العشرين، فبعدما كان من مواد الزينة للصحون والتحف الرخيصة، أصبح من أهم المواد المشعة لأبحاث السلم والحرب. ومن العجائب أنه بدءاً من نهاية الثلاثينيات الميلادية، تسبب هذا العنصر في تغيير تاريخ بعض الدول، بل وتاريخ العالم بأكمله. ونبدأ بالكونجو الغنية بالمعدن.. وكانت مستعمرة من بلجيكا التي استخدمت أبشع الآليات لاستغلال العناصر الطبيعية للدولة الأفريقية وفي مقدمتها المطاط، والألماس، والنحاس، والفضة.. ولم يتخيل أحد أن اليورانيوم سيصبح بالأهمية الكبرى لأنه كان محور آلية عمل أول قنبلة نووية.
وتحديداً، فكان في قلب القنبلة التي ألقيت على مدينة "هيروشيما" لتدمرها بالكامل وتقتل أكثر من مئتي ألف إنسان. وبسبب تلك القنبلة تغير تاريخ العالم، ولكن التغيير لم يكن في الحرب فحسب، فكان اليورانيوم في صميم الطاقة النووية سواء في استعمالات المفاعلات لتوليد الطاقة "النظيفة"، أو حتى لتشغيل بعض الغواصات. وأود أن أضيف هنا إحدى المعلومات المهمة بخصوص اليورانيوم "المُنضّب" والمقصود هو من مخلفات تخصيب اليورانيوم أي تجهيزه للاستخدامات السلمية في المفاعلات النووية، أو في الأسلحة النووية. وللعلم فيستخدم "المنضب" في أثقال الموازنة في الطائرات والمركبات البحرية والمكائن.. ويستخدم أيضاً في دروع الدبابات، والذخائر. وهذه المعلومات من كتاب أخي الفاضل الراحل الأستاذ الدكتور عبد الرحمن فؤاد عبد الفتاح الذي كان عميد كلية الهندسة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة منذ حوالي ثلاثين سنة، وكان من أوائل المختصين البارعين في الهندسة النووية.
وأخيراً، أود أن أتطرق لوصف الطاقة الناتجة عن اليورانيوم، وقد اختلفت مع بعض من زملائي المتخصصين في هذا المجال في هذا الشأن. بعض المصطلحات الرائجة تصفها بالطاقة "الذرية"، وأرى أن الأكثر دقة هي مصطلح الطاقة "النووية" لأن المصدر الأساس لتلك الطاقة هو نواة الذرة.
أمنيـــــة
هناك "هيصة" حول سيرة اليورانيوم: المشع 238.. والمشع جداً 235.. والمشع جداً جداً 234.. والمشع جداً جداً جداً 233.. واليورانيوم المخصب.. واليورانيوم المُنضّب، وهناك أيضا "دبلوماسية" اليورانيوم في التعامل بين الدول.. و"بكش" اليورانيوم في بيع الأسلحة النووية.. وكل هذا يجعله من العناصر المهمة التي تتطلب الرقي العلمي والسياسي. والحمد لله أن الله عز وجل قد أنعم علينا في المملكة بثروات معدنية هائلة ومنها اليورانيوم. أتمنى أن نوفق في تطويع هذا العنصر الرائع لما فيه نفع للوطن، والبشرية بمشيئة الرحمن،
وهو من وراء القصد.
التعليقات