إن أقوى الأسباب التي تجعل المواطن العراقي غير الملوث بجرثومة العمى الطائفي الثأري المتخلف يكره الوجود الإيراني في العراق ويتمنى زواله هو أن الدولة الإيرانية، من أعلى ما فيها من القيادات والمؤسسات الدينية والدنيوية، لا تسمح للشعب العراقي بأن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتمنع العدالة العراقية من معاقبة القاتل والمزور والمختلس، خصوصا إذا كان واحدا من أعضاء الشلة الذين شاءت دولة الولي الفقيه أن تفرضهم قادة وأصحاب ميليشيات ورؤساء وزارات ووزراء وقادة جيوش.

ويكفي أن نتأمل ظاهرة واحدة تلخص كوارث العراق المزمنة منذ عام 2006، وهي ظاهرة نوري المالكي، وحده، وننسى الظواهر الشاذة الأخرى التي لا يقبل النظام الإيراني نفسُه بوجودها في دولته، بكل تأكيد.

وإحساس الشعب العراقي بعمق الخلل الذي وصلت إليه الدولة العراقية، وبحجم الظلم والفساد والخراب واليأس والخوف من المستقبل، ليس لأن هذا المخلوق المسمى نوري المالكي الذي يحتل شاشات التلفزيون والصحف والمواقع كل يوم وكل ساعة، باعتباره أحد أعمدة الحكمة السبعة في العراق الإيراني مكشرٌ دائما، وغاضبٌ دائما، ومختصمٌ دائما، ومستهين دائما بالجميع، ومتطوع دائما بتوزيع تهم الخيانة والإرهاب والبعثية والصدّامية على خصومه الكثيرين. بل هناك أسباب عامة عديدة تمس الوطن وحاضره المعمَّد بالدم والدموع، ومستقبله المحفوف بالمخاطر.

وحين ندخل إلى صلب الواقع الغلط الذي يمثله هذا المخلوق الغلط سنحكم عليه بسرعة، منذ البداية، ودون مراجعة، بالمروق والضلال والتخلف وعدم الأمانة وعدم الإيمان بالوطن وبحاضره ومصيره. فمن أقواله ندينه.

فقد نشرت صحيفة الغارديان في الرابع عشر من ديسمبر 2011 ردَّه، في مؤتمر صحافي، على صحافي أجنبي طلب منه أن يصف نفسه، فقال “أنا شيعي أولا وعراقي ثانيا”. وهو بهذا يؤسس لفلسفة مدمرة في الحكم تقوم على أساس أن الوطن في خدمة المذهب.

وهذا ما يجعل الأموال التي يتهمه الشعب العراقي باختلاسها أو بتبديدها أو بإخفائها أموالا حلالا وفق عقيدته التي تجعل من أولى واجباته المقدسة أن يضع أموال الدولة العراقية، بكل مؤسساتها وثرواتها وقدراتها العسكرية والأمنية والاقتصادية في خدمة المقاتلين في سبيل المذهب، أينما كانوا دون تقصير، مهما قيل عنه وما سيقال.

ودون شك، لقد تمكن المالكي من أن يصبح قائد الدولة العميقة التي تمسك بمقاليد الأمور. وبلسانه قال، مخاطبا كبار أعضاء حزب الدعوة في اجتماع مغلق، “لقد بقي ’الدعاة‘ يتحملون العبء الأكبر في إدارة الدولة، وخاصة خلال فترة وجودهم في موقع رئاسة الحكومة والقيادة العامة للقوات المسلحة منذ عام 2005. وحتى بعد خروج الحزب من رئاسة الحكومة ظل الدعاة كلٌ في موقعه، يمارسون واجبهم الإسلامي الوطني سواء في الجانب التنفيذي والخدمي والتشريعي والرقابي، وهو واجب لا ينفك عن وظيفة الداعية الأساسية”.

ومن أجل فرض عقيدته المذهبية على طوائف الشعب العراقي وقومياته المتعددة، فقد عمد، منذ أن تسلم رئاسة الوزارة بقرار السفير الأميركي زلماي خليل زاد، وموافقة إيرانية في 2006 إلى تأجيج الأحقاد الطائفية، مُقسِّما الشعب العراقي إلى جيشين، جيش يزيد وجيش الحسين. وبموجب هذه النظرية دشن أول أيام عهده باعتقال المئات من شباب طائفة يعتبرها عدوة لطائفته، ومازالوا مغيبين إلى اليوم.

لا ينسى العراقيون أن حكومة المالكي، باعتراف وزير العدل، تغاضت عن تهريب 500 من عُتاة قادة القاعدة وداعش من سجن أبي غريب، ولم تطاردهم لحين عبورهم إلى سوريا

وفي أغسطس 2009 ضربت أطراف العاصمة في يوم واحد سبع سيارات مفخخة راح ضحيتها 95 من المواطنين الأبرياء. ويومها اتهم نظام بشار الأسد بتدبيرها، وطلب من مجلس الأمن الدولي التحقيق فيها. ولكنه في 2011 ظهر على التلفزيون وقال “لن أسمح بسقوط نظام بشار الأسد، وإذا رأيت أنه موشك على السقوط فسوف آخذ الجيش العراقي وأذهب للقتال معه”.

وبالفعل، لقد بادر بإرسال الآلاف من المقاتلين للقتال مع جيش النظام السوري بحجة حماية العتبات المقدسة.

وعلى صعيد عبثه بالأموال، وفي أجواء الإفلاس النسبي الذي أوصل إليه حال الخزينة العراقية الذي لن تتعافى منه في المدى المنظور، فقد قدرت مصادر مالية عراقية وعربية ودولية موارد العراق، في دورتي رئاسة المالكي، من عام 2006 وحتى 2018، بأكثر من 750 مليار دولار لا يعرف أحد أين أنفقت وكيف.

وكان الناطق الرسمي لهيئة النزاهة عادل نوري قد أبلغ البرلمان العراقي عام 2016 عن اختفاء مبلغ نصف تريليون دولار من الخزينة العراقية خلال حكم المالكي.

حتى أن رفيقه في الحزب الذي تولى الرئاسة بعده، حيدر العبادي، شكا من خواء خزينة الدولة، قائلا “إن القائد الضرورة لم يترك لي في الخزينة سوى خمسة مليارات دولار فقط”.

ولعل أكبر الأضرار التي ألحقها بالدولة العراقية أنه جعلها حديقة خلفية لإيران تتصرف بها كما تشاء، فتنشئ الميليشيات، وتسلح العصابات، وتعيّن الرؤساء والوزراء والسفراء وقادة الأمن والجيش، وتدير شؤونها الاقتصادية وتقرر علاقاتها العربية والدولية، وتعمق العداوات بين مكونات الشعب العراقي، خدمة لأهدافها التوسعية.

ولا ينسى العراقيون أن حكومة المالكي، باعتراف وزير العدل، تغاضت عن تهريب 500 من عُتاة قادة القاعدة وداعش من سجن أبي غريب، ولم تطاردهم لحين عبورهم إلى سوريا.

واستمرارا في نهجه المستهين بالدولة وقوانينها وقراراتها، فإن المالكي لم يحترم مدونة “السلوك الانتخابي” التي وقع عليها رئيس الجمهورية وقادة الأحزاب والقوى السياسية لمنع استخدام المال السياسي، فقد واصل زياراته الميدانية ولقاءاته برؤساء العشائر والتجمعات المهنية والمذهبية، وقام بتوزيع الهدايا المالية والمسدسات، علنا وعلى شاشات التلفزيون، ولا أحد اشتكى ولا أحد اعترض.

إنه يحلم بفوز ائتلافه وائتلافات رفاقه في البيت الشيعي بأغلبية مقاعد البرلمان القادم ليعود رئيسا للوزراء، ليعود تاريخ السنوات الثماني السود، مرة أخرى، وليعود الاقتتال والاختلاس وخراب البيوت.