الصراع لا يتوقف، فأسبابه كثيرة وأنواعه وأشكاله عديدة، وقد بحثنا في الأسبوع الماضي عن المدخل النفسي السيكولوجي لتفسير الصراع الدولي، ونستكمل في هذا الأسبوع إلقاء نظرة علمية فاحصة بحثية على مداخل الأيدولوجيا والمصالح.
وقد بحث الأميركي «دانيال دروكمان» في كتابه «طرق التحقيق لتحليل النزاعات» عما يسمى بالمدخل الأيديولوجي الذي يستند بدعاماته الفكرية من منطلقات ماركسية لإثبات خطورة الصراع الأيديولوجي، فعلى المستوى الدولي، تبدو بوضوح التناقضات الأيديولوجية بين الدول. حيث تمثل الحرب نقطة الذروة في الصراعات بأشكالها وأنواعها المختلفة، ويذهب «دروكمان» إلى أنه لا يمكن فهم أبعاد الصراع فهماً صحيحاً دون معرفة التصنيف الطبقي لأطراف الصراع وقواه المختلفة.

وعند تحديد علاقة تلك القوى ببعضها البعض يمكن تحديد الدوافع المحركة للصراع سواء أكانت تلك الظاهرة أو المصالح المستترة، وإن أي تناقض في الرؤى الأيديولوجية للصراع والنتائج المرتبطة بها سيجعل من غير الممكن حل وتسوية الصراعات من خلال عمليات المساومة، خصوصاً حين تتشعب الخلافات والاختلافات الأيديولوجية بين طرفي أو أطراف النزاع. وحسب «دروكمان»، فإن البعد الأيديولوجي ومداخله تعدّ وضعاً خاصاً يُفاقم من تعقيد الصراعات ويجعل فرص إيجاد الحلول في غاية الصعوبة، ويؤكد هذا المدخل كل من «جورج إيه لوبيز» و«مايكل ستول»، حيث ذهبا إلى أن أي نظرية معاصرة تريد التحقيق في موضوع الصراع، فيجب أن تستند أدواتها الأساسية إلى فكرة وأهمية الصراع الأيديولوجي كمنطلق رئيسي، وبعدها قد يصبح ممكناً تحليل ظاهرة الصراع عموماً والصراع الدولي على وجه التحديد.
في كتابه «قانون تضارب المصالح» يرى البروفيسور «بايليس مانينغ»، عميد مدرسة الحقوق بجامعة ستانفورد الأميركية السابق، وخلال تعريفه لمفهوم الصراع، أن الصراع يأتي من مدخل المصالح، فيقول: «صراع المصالح يختص بمصلحتين فقط: مصلحة الفرد كموظف عام مسؤول عن أداء واجبه، ومصلحته الاقتصادية الخاصة كفرد أو مواطن عادي»، وكما هو في الشأن الاجتماعي هو كذلك في الشأن الدولي، حيث يمكن التمييز في مدخل المصالح بين أشكال ومجالات متعددة لتلك الصراعات وأسبابها الحقيقة بين الدول.
ومن وجهة نظري، فإن صراع المصالح الدولي، هو الذي تسبب في الحرب العالمية الأولى والثانية، بل في معظم حروب التاريخ، ولا أعتقد أنه هناك حرباً قد اشتعلت دون أن تلعب مصالح الأطراف دوراً رئيسياً فيها، وحالياً، فإن صراع المصالح سواء بين أميركا والصين وروسيا والأوروبيين أو دول أخرى، في الشرق الأوسط أو في مناطق أخرى، هو الذي يدفع لاشتعال الأزمات والنزاعات أو على الأقل لإبقائها مشتعلة، كما يحدث في سوريا واليمن، أو حتى في ليبيا والعراق، لذا فلا بد من وجود قواعد تنظم صراع المصالح وتمنع تحولها إلى أزمات أو حروب.
لوضع القواعد الأخلاقية المهمة لتنظيم صراع المصالح لا بد من البحث في أسبابها كالطمع والمنافسة غير الشريفة والجشع والانتهازية، حسب «كليمنت فوس»، ففي صراع المصالح الدولي، نجد دولاً تنظر بعين الطمع والجشع في خيرات دول أخرى، فما هو السبب الذي يبقي الحرب في سوريا مشتعلة أكثر من عشر سنوات؟ ألم يصبح واجباً على المجتمع الدولي بأسره أن يشذب المصالح المتصارعة هناك، وأن يضع حداً لهذا الاستنزاف الذي كلّف سوريا وشعبها الدمار والخراب واللجوء؟
معظم الذين قاموا بتفسير الصراع الدولي من مدخل صراع المصالح مثل «فردريك شومان» و«كينيث تومسون» وكذلك «ريمون آرون»، وحسب «كليمنت فوس» ذهبوا إلى أن «الصراع على القوة باعتبارها ركيزة تستند عليها المصلحة القومية»، ولذلك يصبح الصراع وليس التعاون هو الطابع المميز للعلاقات الدولية، وأن الدولة تستمد مقدرتها على البقاء من قوتها الذاتية أو من الحماية التي يوفرها الآخرون لها إذا عجزت منفردة عن تأمين حق البقاء لنفسها، حيث إن «القوة الرئيسية المحركة لسياسات الدول الخارجية تتمثل في السعي المستمر نحو حماية وتنمية المصالح القومية» من خلال مضاعفة الدولة لمواردها من القوة، وقد عرّف «مورجانزو» المصلحة أنها مرادفة وقرينة للقوة، وأن القوة المقصودة تشتمل إلى جانب الأدوات العسكرية على التأثير السياسي وقوة الضغط الاقتصادي، ووسائل الحرب النفسية كالإعلامية والدعائية، إضافة إلى أساليب التفاوض الدبلوماسي.