يتفق علماء الاجتماع على أن هناك علاقة وثيقة بين اللغة والهوية، فاللغة تمثل المعلم البارز والأهم في تحديد الهوية. ويرون أن أخطر ما يهدد هوية الأمم وثقافتها هو الاستحواذ اللغوي والثقافي من طرف آخر. فاللغة والهوية وجهان لشيء واحد.

فاللغة ليست مجرد ألفاظ وكلمات، بل وعاء يحوي مكونات وجدانية ومعتقدات وخصوصيات لأي مجتمع. ومن هنا يتضح سبب اعتزاز كل مجتمع بلغته، لإن اللغة هي السبيل الرئيس لحماية وتحصين الهوية حتى لا تنصهر في هوية أخرى.

وتاريخ الأمم خير شاهد، فاللغة العربية مثلا حافظت على تعاليم الدين الإسلامي وعلى التراث والمخطوطات العربية وكل ما قدمته الحضارة الإسلامية من علوم وفنون وآداب. اليابانيون رفضوا وقاوموا أي هيمنة على لغتهم لعلمهم أنها هي من سيحفظ لهم هويتهم، وكذلك فعل الكوريون.

إنَّ الهدف الذي تسعى إليه الدول القوية ومن خلال أسلوب العولمة الناعم أن ترسي حالة من التبعية اللغوية والعلمية والفكرية لطمس الهوية وإعاقة أي طريق قد يقود إلى الإبداع والتطور. ابن خلدون في مقدمته أشار إلى أن المغلوب مولع بتقليد الغالب، وهذا ما نراه في بعض المجتمعات من انسياق خطير في نبذ اللغة الأم، بل والسخرية منها أحيانا وربط التحضر والتطور ودعوى مواكبة العصر بالتحدث بلغة أخرى. صحيح أن تعلم اللغات أيا كانت أمر محمود، بل ومرغوب فيه، شرط ألا يكون ذلك مدعاة للانسلاخ من رمز الهوية وطمسها.

يرى المختصون أن أركان الهوية ثلاثة هي: الدين والثقافة والاجتماع، وأن اللغة هي الناطق الرسمي بلسان الهوية ووسيلة من خلالها يدرك العالم قوة الدول وتلاحم أفرادها ومجتمعها. وما من تنافس بين الأمم إلا ويكون للغة فيه القدح المعلى. إن للغة والاهتمام بها وتأصيلها في مختلف المجالات العلمية والصحية والتقنية وغيرها دورا كبيرا في تأصيل المواطنة وتكريس الانتماء.

إنَّ حماية لغتنا العربية في مجتمعاتنا من هجمات العولمة الشرسة هو واجب ديني ودنيوي خاصة أنها لغة قوية وعظيمة تأثرت بها كثير من اللغات الأخرى. إن ثقافة الأمم وقوتها وتلاحمها تتضاءل عندما يتخلى أهلها عن لغتهم الأم ويتيحون لغيرها مزاحمتها لإن اللغة هي الوعاء الفعلي للهوية، وإعطاؤها ما تستحقه من اهتمام هو ما سيدفع بأي دولة أو أمة إلى التميز والإبداع.