هيئة البحرين للثقافة والآثار فاجأت الجمهور البحريني، المحب للموسيقى وللثقافة، بإعلانها عن مهرجان البحرين للموسيقى وأوركسترا البحرين الفيلهارمونية بقيادة الموسيقار الدكتور مبارك نجم.

الموسيقار الدكتور مبارك نجم غني عن التعريف، فهو صاحب الأعمال الموسيقية الكلاسيكية التي استقى أنغامها من التراث الشعبي البحريني خاصة والخليجي عامة، حيث أعاد صياغة الموسيقى العربية الخليجية لتتلاءم مع البناء الموسيقي الكلاسيكي، وكان هذا فتحا جديدا للموسيقى الخليجية، وبابا مفتوحا لعشاق الموسيقى الكلاسيكية في العالم، ومدخلا وطنيا إلى العالمية.

لقد اعتاد الجمهور على المهرجانات الموسيقية والجوقات الموسيقية، ولكن جوقة بهذا العنوان الفيلهارموني شيء جديد علينا، فلا بد أن يكون لمؤسس هذه الأوركسترا، وهو الموسيقار الدكتور مبارك نجم، هدف ومغزى من إصباغ عنوان الجوقة بصفة «الفيلهارمونية». وللعلم، فإن هذه الصفة معتمدة في عناوين الجوقات الموسيقية العالمية مثل «أوركسترا برلين الفيلهارمونية» وغيرها من الجوقات. لا بد أن يكون لهذه الفيلهارمونية بعد ثقافي وحضاري متأصل في طبيعة الإنسان التي تعبر عنها الفطرة، حتى يستهوي أساتذة الموسيقى والنغم والإيقاع وجمال الصوت… من الدندنة إلى الموسيقى إلى الثقافة إلى الحضارة!!!

الحضارة هوية التاريخ، فلا تاريخ من غير حضارة، ولا حضارة من غير ثقافة، ولا ثقافة من غير موسيقى، فالموسيقى تاج الثقافة، ويمكن القول وبتصريح من العقل، إن حضارة دون موسيقى حضارة عرجاء. منذ أول دندنة انطلقت من حنجرة الإنسان، وهي الألف في أبجدية الموسيقى، والإنسان مغرم بالإيقاع والتوافق والتناغم والعدل في الميزان، ولهذا السبب الفطري، ومع تطور الموسيقى من دندنة إلى سيمفونية، رأى الإنسان وهو يرتقي سلم الموسيقى أن يضيف إلى عنوان الجوقة الموسيقية، أي الأوركسترا، كلمة «فلهارمونيا». عناوين الأوركسترا العالمية كان يمكن أن تكتفي بإضافة صفة أخرى أو اسم مكان أو كلمة «سيمفونية»، ولكن لكلمة «فلهارمونيا» نطع آخر أعمق تعبيرا عن علاقة الإنسان بالموسيقى. جميع الجوقات الموسيقية الراقية، التي تفتخر بتقديمها السيمفونيات وأخواتها الموسيقية، تتسمى وكلمة «فلهارمونيا» لصيقة بكلمة أوركسترا. والجدير بالذكر، أن الكلمة يونانية مركبة من كلمتي «فيلوس» و«هارمونيا»، أي محب النغم أو عاشق الموسيقى، وهكذا نرى لهذه الكلمة موقع الإرضاء للنفس التي تعشق النغم. رأيت إنه من المرجح المجدي أن أضمن المقال بهذا التعريف لتبيان العلاقة بين الإنسان والنغم حتى تكتمل في أذهاننا صورة «أوركسترا البحرين الفيلهارمونية»، هذه الصورة الرائعة التي رسمتها رؤية الموسيقار الدكتور مبارك نجم.

رؤية الموسيقار الدكتور مبارك نجم لم تتوقف عند تشكيل النغم الخليجي العربي في صياغة كلاسيكية، بل إنه لابد من تشكيل بنية أساسية لمشروعه الموسيقي حتى تكتمل الرؤية، فكان تأسيس معهد البحرين للموسيقى أولا، ومن ثم تأسيس أوركسترا البحرين الفيلهارمونية في 26 مارس 2022، حيث تضم الأوركسترا مائة موسيقي وكورال «جوقة منشدين». عندما تعلن هيئة الثقافة والآثار عن هذا الارتقاء النوعي في الموسيقى فإنه علامة واضحة على الدعم المادي والمعنوي من قبل الهيئة وبترحيب من قبل الدولة، إذ إن هذا التطور الثقافي هو خطوة حضارية يضاف إلى الرصيد الحضاري لمملكة البحرين. بحرين الحضارة نقطة مضيئة على خريطة الحضارة العالمية، ولا عجب إذ إن المشروع الفني - الثقافي - الحضاري يحظى بدعم القيادة العليا التي تثمن الثقافة وترعى القضايا الثقافية، فقد أعطى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله أهمية لمشروع المايسترو الدكتور مبارك نجم عندما اتصل به هاتفيا لتهنئته على أول حفل لأوركسترا البحرين الفيلهارمونية، إضافة إلى الدعم الملموس من قبل السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وبترحاب وانتظار شعبي منقطع النظير حيث إن اول احتفالية للمهرجان الثقافي الموسيقي لأوركسترا البحرين الفيلهامونية والذي كان موعده الأول من هذا الشهر قد قوبل بأقبال حتى نفدت معه جميع التذاكر قبل الحفل، وكان الحفل يوما تاريخيا يضيف ثقافة من أنغام موسيقية إلى سجل البحرين الحضاري. الدعم الرسمي والترحاب الشعبي لمرحلة فاصلة في تاريخ الموسيقى في البحرين هو دليل على الرقي الحضاري لوطننا الحبيب، وتقدير للمواطن الذي يساهم في صيانة حضارة الوطن وتطويرها.