كان لي معك عزيزي القارئ الجزء (1) من مقالي الاسبوع الماضي الذي تناولت فيه التاريخ الطويل للديمقراطية والمشاركة الشعبية للحكم في البحرين والتي كان اكثر ما يميزها هو الايمان بها كحل وحيد لبناء مجتمع واعد قائم على العدالة والمساواة والاستمرارية باعتبارها جزء مهم من تعزيز الثقة في الحكم وقيادته المؤمنة بإرادة الشعب والتعاون بين الجانبين لما فيه تحقيق الاهداف والتطلعات والطموحات من اجل وطن اكثر جمالا واشراقاً.

وفي ضوء ما تقدم من انجازات مبهرة على صعيد الممارسة الديموقراطية في البحرين التي تتطلب صبرًا للوصول الى درجة الكمال خطوةً خطوة بدلاً من سياسة حرق المراحل. واعتبرها كذلك حالة متقدمة جدًا عن غيرها في الوطن العربي والاقليم المجاور، واقصد هنا ايران التي انتهجت سياسة تصدير مبادئ ثورة الخميني كأولوية رغم المعاناة التي يعانيها شعبها من حكم سلطوي منذ اكثر من اربعين عاماً تؤكده المظاهرات والقتلى في الشارع الايراني بين فترة واخرى والتي آخرها المظاهرات التي بدأت في 16 سبتمبر الماضي والجارية حتى الان وكذلك العراق الذي يقع تحت الوصاية الايرانية التي وجهت دوره وسياسته الطائفية في المنطقة لخدمة مصالحها والاستيلاء على امواله لتخفيف الحصار الاقتصادي عنها، ليتراجع العراق الى الخلف عشرات السنين بعد ان كان مهدًا للحضارة العربية في بغداد والبصرة وغيرها من المدن العراقية المضئية بالعلم والتقدم والرخاء.

وسوريا التي لم تمارس فيها الديمقراطية منذ سقوط النظام المدني في يد العسكر بعد الانقلاب العسكري في مارس 1949 وهو أول انقلاب عسكري في البلاد منذ الاستقلال وبدء سلسلة من الانقلابات العسكرية وهيمنة الجيش على الحياة السياسية واستيلاء حزب البعث العربي الاشتراكي على الحكم منذ انقلاب عام 1963 مما يعتبر اقسى كارثة حلّت بالبلاد التي انتهت بالحركة التصحيحة للرئيس حافظ الاسد عام 1971 الذي ورّث الحكم لابنه الرئيس بشار الاسد بعد تعديل فقرة في الدستور من اجل ان يكون رئيساً بعد وفاته، ولبنان الذي كان ديمقراطيًا بالمحاصصة كما ارادته فرنسا ليسقط بعدها في يد حزب الله وبقية الاحزاب اللبنانية وفقدان قراره السيادي الذي تتحكم فيه طهران، بما يؤكد التراجع الكبير في العمل والممارسة الديموقراطية في هذه الدول نتيجة وجود أزمات خطيرة تتطلب المعالجة ومنها إشكالية العقد الاجتماعي القائم في بعض الدول العربية وفقدان شرعية الحكم دون وجود بديل حقيقي حتى اليوم وتراجع مفهوم الانتماء الوطني والشعور بالمواطنة وتقدم الانتماء الطائفي والمذهبي وازدياد الارهاب الامني وتحالفه مع المؤسسة الدينية مما ادى زيادة العوائق أمام المشاركة الشاملة في الممارسة الديمقراطية على صعيد المرأة والشباب، وادى الى نتائج سلبية خالية من الانجازات، بعكس البحرين التي اثبتت الممارسة الديمقراطية في الانتخابات الاخيرة بأنها حققت حالة فريدة غير مسبوقة تمكنت من ترجمة ايمان قيادتها الى واقع ملموس نحو المشاركة الشعبية الكاملة وقيام المواطن بدوره من اجل وطن يحظى بالاحترام الدولي الذي انعكس في دعم الجهات الدولية وفي مقدمتها ما قالته رئيسة المفوضية الاوروبية - الجهاز التنفيذي للقرار الجماعي الاوروبي - وذلك في حوار المنامة الذي عقد في فبراير الماضي.

واذا كانت الاجهزة الحكومية الاوروبية قد اشادت بالبحرين كما ذكرت في مقالي السابق، نجد فوق ذلك اعلان منظمات دولية وعربية تهتم بتعزيز احترام حقوق الإنسان والديمقراطية بالوطن العربي، قامت وبالشراكة مع أكثر من 127 منظمة دولية بإصدار بيان مشترك اشادت فيه بالمكانة المتميزة التي تحظى بها مملكة البحرين على الصعيد الدولي، والمعروف أن هذه المنظمات تمثل شريحة كبيرة من المنظمات والمراكز الأوروبية والعربية غير الحكومية ذات المركز الاستشاري بالأمم المتحدة المعنية بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان بالعالم والمتخصصة في رصد وتقييم التزامات الدول المتعلقة بتطبيق الديمقراطية وإقامة دولة المؤسسات والقانون وتعزيز المشاركة الشعبية وضمان التزام الدول بحقوق الإنسان لاسيما الحقوق المدنية والسياسية مع مراعاة تمتع المرأة بشكل خاص بحقوقها الكاملة.

اعتقد ان نتائج انتخابات البحرين الاخيرة تعتبر علامة بارزة في مسيرة الديمقراطية التي بدأت منذ عام 1999 واهمية دراستها جيدًا انطلاقاً من ميثاق العمل الوطني الذي وافق عليه شعب البحرين في استفتاء شعبي بلغت نسبته 98.4% لانها تمثل واقعا جديدا ومختلفاً عن الممارسات الديمقراطية الاخرى في الخليج والاقليم المحيط به، لان لكل مجتمع في العالم خصوصياته وعاداته وتقاليده التي يجب احترامها ولا يمكن ان تفرض عليه اية عادات او افكار او مفاهيم جديدة لحقوق الانسان مخالفة لنصوص وذلك لان لكل مجتمع قواعد ثابتة يجب احترامها من اهمها على سبيل المثال في مجتمعاتنا العربية:

1- تعلمنا من القرآن الكريم وسنة رسول الله (صلعم) الاخلاق والمبادئ والقيم الانسانية الاساسية الثابتة في بناء المجتمع التي كانت مصدر الالهام والقوة التي انشأت الدول الاسلامية الكبرى في قلب العالم القديم وامتدت الى اسيا وافريقيا.

2- احترام مبدأ سيادة الدولة واستقلالها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية من المبادئ الاممية الثابتة ايضا في ميثاق الامم المتحدة التي تحترمها كل الدول الاعضاء واية آراء او افكار فيما يتعلق بحقوق الانسان يجب ان تطرح هناك لاتخاذ الدول قراراً بشأنها.

3- على الدول الغربية والولايات المتحدة التوقف الفوري عن تصدير أية افكار فيما يتعلق بحقوق الانسان تحظى باهتمامات أعداد معينة في الادارات التنفيذية لهذه الدول خاصة ان كانت تخالف ما استقرت عليه المجتمعات الاخرى فيما يتعلق بحقوق الانسان لان لكل مجتمع عاداته وقِيمّه ومواريثه التي يؤمن بها.