لا تتوقف التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية على مشاكل سلاسل الإمداد والأمن الغذائي وأمن الطاقة والنقص الحاد في مخزونات السلاح العالمية، بل تؤكد كل التقارير الدولية بما فيها تقديرات الأمم المتحدة أن التنظيمات الإرهابية وجدت في انشغال العالم بهذه الحرب «فرصة» للتمدد وحشد الأنصار وجمع المال والسلاح، ليس فقط من أجل القيام بعمليات إرهابية متفرقة بل لإقامة دويلات على غرار دويلة «داعش» في سوريا والعراق والتي انتهت بهزيمة التنظيم الإرهابي في معركة الباغوز في 9 فبراير 2019.

كما أن نهج التحالف الدولي لمحاربة «داعش» في سوريا والعراق القائم على «استراتيجية قطع الرؤوس» ونجح من خلالها في التخلص من أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، وأبو الحسن الهاشمي القرشي قائد «داعش» في سوريا والعراق، لم يسهم في الحد من نشاط التنظيمات المتشددة، وخير شاهد على ذلك الطفرة غير المسبوقة في العمليات الإرهابية التي شهدتها سوريا والعراق وإفريقيا ووسط وجنوب وشرق آسيا وجنوب القوقاز، فما هي ملامح الخطر الإرهابي الجديد؟ وكيف يمكن بناء «حائط صد عالمياً» ضد زحف التنظيمات الظلامية؟

يقوم النظام العالمي الحالي على فكرة الاستقطاب الحاد، فكل طرف يرفع شعار «من ليس معنا فهو علينا»، وهو نظام تتصارع فيه الدول والأمم والجيوش، لكن لا يعطي الاهتمام الكافي لخطر «الجماعات ما دون الدولة» مثل الميليشيات المسلحة أو التنظيمات الإرهابية.

إحصائيات الأمم المتحدة تؤكد وجود 10 آلاف داعشي على جانبي الحدود السورية العراقية، ونحو 70 ألفاً آخرين من عائلات التنظيم في المخيمات التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية». ورغم ذلك لا يوجد اهتمام دولي لإنهاء هذا الملف حتى باتت فلول وعناصر «داعش» تهدد بالسيطرة على مساحات وأراضٍ من جديد في سوريا والعراق.

كما أن «الجراح المفتوحة» في الكثير من مناطق ودول العالم تفتح مجالاً واسعاً لنشاط الجماعات الإرهابية، فأزمات الغذاء والطاقة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها جائحة كورونا أضعفت من «المناعة السياسية والأمنية» للكثير من الدول، وهي ثغرة تدخل من خلالها التنظيمات الإرهابية، وهذا واضح في جنوب ليبيا ودول الساحل والصحراء ومنطقة القرن الإفريقي.

لكن ما لم يتوقعه العالم أن تنتشر الجماعات الإرهابية بهذا الزخم والقوة وبهذه السرعة في مناطق شاسعة في قلب وغرب إفريقيا من الكونغو الديمقراطية إلى أوغندا وموزمبيق وخليج غينيا ونيجيريا وبنين وكوت ديفوار وتوغو، وهو ما يجعل إفريقيا في صدارة الأنشطة الإرهابية على مستوى العالم.

ونتيجة لانشغال روسيا في أوكرانيا، توسعت الجماعات الإرهابية مثل «تنظيم خراسان»، و«فروع القاعدة»، ليس فقط في شمال شرق أفغانستان قرب الحدود الصينية، بل في دول كانت تاريخياً حليفة لروسيا مثل طاجيكستان وقرغيزستان. ويخشى الأمن الروسي توسع الجماعات المتطرفة في جمهوريات جنوب القوقاز مثل الشيشان وبشكيريا وأنجوشيا وغيرها.

كما أن دول شرق وجنوب شرق آسيا باتت تكافح الانتشار غير المسبوق للأفكار المتطرفة، كما في الفلبين وإندونيسيا وماليزيا وفيتنام، وهي أقاليم ترى فيها التنظيمات الإرهابية «بيئة خصبة»، ويمكن أن تكون تلك الدول بديلاً للحواضن التقليدية لهذه التنظيمات سواء في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا الوسطى.

كما أن أوروبا ليست بعيدة عن عودة الإرهابيين الذين يحاربون في أوكرانيا، واستغلال الجماعات المتطرفة للأوضاع الاقتصادية في القارة العجوز. وهناك تقديرات مخابراتية أوروبية مثل أجهزة المخابرات الخارجية في ألمانيا وبريطانيا تقول إن العناصر المتطرفة التي ذهبت لأوكرانيا سوف تكون خطراً داهماً على الأمن الأوروبي.

كل هذا يؤكد حاجة العالم، وهو يتصدى للمشكلات الاقتصادية والسياسة الحالية، أن «يبقي عيناً» على مخاطر التنظيمات الإرهابية، التي تقول جميع القراءات إنها سوف تزيد من نشاطها في 2023.