د. يوسف مكي

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، عم شعور لدى البشرية بأنها آخر الحروب العالمية، بسبب الخسائر الفادحة التي نتجت عنها، واستخدام سلاح الرعب النووي، في مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين. إن اندلاع حرب عالمية أخرى، سيعني قضاء مبرماً على سكان الكرة الأرضية، وذلك ما لا قبل لأحد في دفع أكلافه.

في محطات قليلة جداً، أثناء الحرب الباردة، اقتربت البشرية من حافة الحرب النووية. حدث ذلك للمرة الأولى أثناء الأزمة الكورية، في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، ثم أثناء أزمة الصواريخ الكوبية. كما أطلق الأمريكيون الإنذار النووي، في الأيام الأخيرة لحرب أكتوبر عام 1973. وفي جميع هذه المرات، حبس العالم أنفاسه، وتدخل العقلاء للحيلولة دون اندلاع حروب نووية.

بعد انتهاء الحرب الباردة، طويت صفحة الحديث عن حرب عالمية ثالثة، واحتمالات استخدام سلاح الرعب النووي، على الرغم من أن الصراعات الإقليمية، وتدخلات القوى الكبرى، في شؤون الدول، تواصلت في خط بياني متصاعد. وربما يفسر تضعضع القوة الروسية، وانهماك الصين، في تحقيق تنمية اقتصادية، وسعيها الدؤوب إلى السيطرة على الأسواق العالمية، سبب تراجع الصراعات العسكرية بين القوى الكبرى.

عودة روسيا، تحت قيادة فلاديمير بوتين، بقوة إلى المسرح الدولي، وتمكنها من بناء ترسانتها العسكرية، بشكل سريع، واستعادتها لشبه جزيرة القرم، من أوكرانيا عام 2014م، أعادت للصراع الدولي حضوره من جديد، بعيداً عن الصراع العقائدي، الذي كان سيد الموقف، حتى سقوط حائط برلين في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.

ومع إطلاق روسيا ما أسمته بالعملية العسكرية الخاصة، ضد أوكرانيا، انقلبت الأوضاع رأساً على عقب. فالأمريكيون، وحلفاؤهم في القارة الأوروبية، أعلنوا منذ بدء العملية تصميمهم على حرمان غريمهم الروسي، من تحقيق نصر عسكري حاسم في أوكرانيا. وبالمقابل، أكدت القيادة الروسية، أن انتصارها في هذه الحرب، هو وحده الذي يتكفل بوقف إطلاق النار.

دخلت أمريكا، وحلفاؤها بشكل مباشر في الحرب، من خلال الإمداد الهائل بمختلف أنواع الأسلحة لأوكرانيا، لتمكينها من الاستمرار في مواجهة الجيش الروسي. وشمل الدعم العسكري، مختلف أشكال الذخيرة، والمدفعية والدبابات، والمسيرات. هذا إضافة إلى تشغيل مختلف وسائل التجسس على القوة العسكرية الروسية، من قبل الغرب لصالح الحليف الأوكراني. وقد بلغ هذا الدعم حد تزويد أوكرانيا بالطائرات، وأحدث ما في الترسانة العسكرية الغربية من أسلحة. وكلما ضاعف الغرب من الدعم العسكري، للرئيس الأوكراني زيلينسكي، كلما زج الاتحاد الروسي، بأسلحة نوعية جديدة في الحرب. وكلما طال أمد الحرب توسع الانخراط الغربي المباشر فيها، حتى بات يشكل في الأيام الأخيرة تهديداً مباشراً للسلام العالمي، منذراً باحتمال وقوع حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر.

الأسبوع الذي انقضى، كان حافلاً بالمواجهات بين روسيا والغرب، الجامع هو التصعيد غير المسبوق في لغة الحرب، وغياب العقلانية ولغة الحوار، والتلويح المتكرر بإمكانية دخول السلاح النووي في هذه المواجهة، بما يشي أن العالم بأسره يتجه نحو انتحار جمعي.

الأبرز بين الحوادث الأخيرة، قيام الطيران الروسي، بإسقاط مسيرة أمريكية متطورة، فوق البحر الأسود، وهو ما اعتبرته إدارة بايدن «عدواناً وحماقة»، كون المسيرة توجد في مياه دولية. بينما تصّر روسيا، على أن البحر الأسود، هو منطقة حرب، وأن سبب وجود المسيرة الأمريكية فوق البحر الأسود، هو التجسس على المواقع الروسية، وتقديم معلومات عنها للقوات الأوكرانية. وتتهم روسيا الأمريكيين بتقديم معلومات دقيقة، عن وجود البارجة «موسكوفا»، التي تم إغراقها من قبل الأوكرانيين، في البحر الأسود.

تؤكد روسيا عزمها على استخدام كل الوسائل للدفاع عن أمنها، بما في ذلك، إسقاط المسيرات الأمريكية. وقد اقترح وزير الدفاع الروسي، منح أعلى الأوسمة في الدولة الروسية، للطيارين الذين تمكنوا من إسقاط المسيرة الأمريكية.

آخر الأنباء، هو صدور مذكرة من قبل محكمة الجنايات الدولية باعتقال الرئيس الروسي بوتين، بسبب اتهامه بارتكاب جرائم إبادة بحق الإنسانية. وقد وصف الرئيس الأمريكي بايدن هذا القرار ب«المبرر». من جهتها، طالبت وزارة الخارجية الروسية، بإلغاء محكمة الجنايات، كونها جهة منحازة للسياسة الأمريكية، وأنه لا بد من إيجاد بديل عنها، أكثر نزاهة وحيادية.

الوضع في حال استمراره، وعدم تدخل العقلاء من الدول للجمه، فإنه ينذر بخطر اندلاع حرب عالمية ثالثة، تستخدم فيها كل ماهو متوفر بترسانات سلاح المتصارعين، بما في ذلك أسلحة الرعب النووي، فعسى أن يتم ذلك قبل فوات الأوان، وقبل أن يجرفنا الطوفان.