كان هذا استنتاج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي قبل يومين، خلال مقابلة أجرتها معه وكالة "أسوشيتدبرس" على متن قطار كان يتنقل فيه قرب جبهات القتال شرقي أوكرانيا.

تحدث زيلنسكي عن العديد من الأمور، لكن موضوع معركة مدينة باخموت المتوسطة الحجم (70 ألف نسمة قبل الحرب)، شكل مادة مهمة من الحديث، حيث أشار إلى أن المعركة سياسية (معنوية) أكثر مما هي تكتيكية (عسكرية). فلقد تحولت معركة هذه المدينة المتوسطة في منطقة الدونباس الأوكرانية إلى حالة رمزية، ستتوقف عليها العديد من التطورات في المرحلة المقبلة.

فأي انتصار روسي فيها يقود إلى سقوط المدينة ستكون له ارتدادات سلبية للغاية على معنويات الشعب الأوكراني، فضلاً عن أن الغرب الداعم لكييف في حربها الدفاعية ضد موسكو قد يضعف تصميمه على مواصلة المواجهة مع موسكو، فيضغط على كييف للجلوس إلى طاولة المفاوضات.

والجلوس إلى طاولة المفاوضات سيسبقه حكماً وقف لإطلاق النار، الذي حذر منه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قبل يومين بقوله إن وقف إطلاق النار الآن معناه بقاء روسيا حيث هي، وتمكينها من هضم الأراضي التي استولت عليها حتى الآن.

ومع أن الرئيس الأوكراني يتقاطع في تقديراته حول باخموت مع الأميركيين، لكنه في المقابل يحاول أن يحقق اختراقاً ولو معنوياً في جدار بكين السميك، وخصوصاً أن الأخيرة تقف خلف موسكو في إطار التحالف الاستراتيجي للقوتين.

ومع أنه سبق لبكين بمناسبة مرور عام على الحرب أن قدمت خطة سلام من 12 نقطة، تضمنت في ما تضمنت بنداً مهماً يدعو لاحترام سيادة البلدان ضمن الحدود المعترف بها دولياً، لكنها خلت من العنصر الأهم، أي الدعوة إلى انسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية المحتلة، باعتبارها واقعة ضمن حدود معترف بها دولياً، بما فيها شبه جزيرة القرم المحتلة منذ عام 2014.

طبعاً تدعو بكين الطرفين إلى التفاوض، لكنها لا تقدم أجوبة شافية بالنسبة إلى مسألة احتلال روسيا أراضيَ أوكرانية بقوة السلاح. ومع ذلك، وبالنظر إلى موقع الصين الدولي المهم، وتحالفها الاستراتيجي مع روسيا من موقع قوة، فقد وجه الرئيس الأوكراني دعوة إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ لزيارة أوكرانيا، وذلك في سياق معركته الدبلوماسية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

في هذا الإطار، لا بد من القول إن أي تطور متوقع لن يحصل إلا بعد حسم معركة باخموت لمصلحة هذا الطرف أو ذاك. فالطقس لم يصل بعد إلى مرحلة يمكن فيها إطلاق هجوم كبير من قبل أي من الطرفين. والطرفان منهكان، الأوكراني الذي ينتظر مزيداً من المعدات العسكرية، ومثله الروسي الذي لا نجانب الحقيقة إن قلنا إنه فشل في حرب أوكرانيا فشلاً ذريعاً.

هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم روسيا، قدراتها وقوة جيشها. فبعد أكثر من أربعة عشر شهراً على القتال الضاري، فشلت موسكو في حسم المعركة، أو في تحقيق انتصار معنوي كبير واحد يمكّنها من فرض الحل الذي تسعى إليه.

هذه نقطة ضعف كبيرة في الاستراتيجية الروسية الساعية إلى كسر شوكة أوكرانيا المتحالفة مع الغرب. واستطراداً فإن موسكو تبدو في موقف ضعيف على مستوى معادلة التحالف مع بكين التي تبدو على العكس في موقع القوة تجاه حليفتها.

جميع الأطراف يتحدثون عن حرب طويلة. لكن علّمنا التاريخ أنه يمكن في لحظة غير متوقعة أن تتوقف، لا سيما أن الطرفين اللذين يتقاتلان معرّضان لضغوط جدية من داعميهما: الولايات المتحدة بالنسبة إلى أوكرانيا والصين بالنسبة إلى روسيا. وبالتالي فإن الحرب التي كانت بقرار روسي، لا يُستبعد أن تتوقف بقرار صيني - أميركي عند نقاط القتال ساعة وقف إطلاق النار!