أود الإشارة بادئ ذي بدء، إلى أن سوق الأسهم والاقتصاد في أي بلد مرتبطين بعلاقة طردية. ففي نهاية المطاف، فإن الأسهم التي يتم تداولها في السوق هي أصول لشركات البلد. ولذلك، فإذا كانت هذه الأصول سليمة فإن اقتصاد البلد يكون في وضع جيد، أو بمعنى آخر فإن سوق الأسهم والدورة الاقتصادية على ارتباط وثيق، فإذا كان المركز المالي للشركات جيد، فإن ذلك معناه إن الاقتصاد يعيش حالة نمو، والعكس بالعكس، فعندما تتراجع المراكز المالية للشركات، فإن هذا دليل على أن الاقتصاد لا يعيش أفضل أوقاته.

طبعاً في دول أوبك والبلدان المنتجة للطاقة، الدورة الاقتصادية مختلفة، فهي مرتبطة بأسعار النفط والغاز، فعندما ترتفع الأسعار وتزيد إيرادات شركات الطاقة والدولة بصفة عامة، فإن الميزانية تكون توسعية، حيث يرتفع الإنفاق الحكومي بشقيه الاستهلاكي والاستثماري، ومثلما نعلم، فإن القطاع الحكومي يرسي عقود المشروعات التي يخطط تنفيذها على الشركات، ولذلك يرتفع، خلال هذه الفترة، الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي الحكومي والخاص، وهذا يؤدي إلى رواج اقتصادي وتحسن المراكز المالية للشركات التي يتم تداول أسهم العديد منها في السوق المالية.

ولهذا، فإن ارتفاع أسعار النفط خلال العام الماضي، أدى إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي في المملكة إلى أكثر من 8 %، وهذا مؤشر لم يحققه أي بلد آخر، ولكن، هذا لم ينعكس على سوق الأسهم كما ينبغي، خصوصاً في نهاية العام الماضي، حيث شهد مؤشر السوق تراجع بنسبة 7.1 %، وهذا التراجع استمر خلال هذا العام، عندما انخفض المؤشر إلى ما دون 9000 نقطة.

إن النمو المرتفع للناتج المحلي الإجمالي والانخفاض الكبير لمؤشر سوق الأسهم، يعني أن هناك انفصال بين سوق أسهمنا وبين الاقتصاد، وهذا لا يمكن تفسيره إلا من خلال العامل الخارجي، فالاقتصاد العالمي يعيش في حالة ركود تضخمي، نتيجة الوضع المالي السيئ للشركات والمصارف، ولذلك ولمعالجة التضخم تتبع الدول الصناعية سياسة نقدية انكماشية، من خلال رفع سعر الفائدة، في حين أن السياسة المالية توسعية، أهم معالمها التيسير الكمي، وزيادة الانفاق لتوفير السيولة بعد أزمة بنك SVB من ناحية، وللحيلولة دون انزلاق الاقتصاد إلى الركود من ناحية أخرى.

إن أسواق الأسهم والاقتصاد في الدول الصناعية في وضع صعب، مثلما نرى، وهذا ينعكس على سوقنا، لأن كبار المتعاملين في هذه الأخيرة مرتبطون بتلك الأسواق، فهم للتعويض عن خسائرهم في الخارج يبيعون الأسهم في الداخل للحصول على التمويل الذي يحتاجونه لمواصلة لعبتهم الخاسرة. وهذا يؤدي إلى اضطراب سوقنا وانخفاض مؤشرها. ولكن الأهم، هو خروج رؤوس أموال البلد دون رجعة -في معظم الأحوال- وذلك لأن الصفقات التي تعقد بهذه الأموال غير متكافئة، فـ"هوامير" السوق السعودية لاعبون صغار هناك. ولذلك، فإن هيئة السوق المالية يفترض أن تحد من هذه الظاهرة وتضع الضوابط التي تحول دون ضياع رؤوس أموالنا في صفقات خاسرة خارج البلد.