من بين أحد مستهدفات رؤية السعودية 2030 الارتقاء بالبحث العلمي والابتكار في المملكة العربية السعودية، حيث قد أعلن سمو ولي العهد رئيس اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار، الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، عن التطلعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار في المملكة للعقدين القادمين، والتي تستند إلى أربع أولويات رئيسة؛ تتمثل في: صحة الإنسان، واستدامة البيئة والاحتياجات الأساسية، والريادة في الطاقة والصناعة، واقتصادات المستقبل، بما يُعزز من تنافسية المملكة عالميًا وريادتها؛ ويتماشى في نفس الوقت مع توجُّهات رؤية السعودية 2030 وتعزيز مكانتها كأكبر اقتصاد في المنطقة.

تجدر الإشارة إلى أن المملكة تستهدف أن تصبح من رواد الابتكار في العالم، بحيث يصل حجم الإنفاق السنوي على القطاع إلى 2.5 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2040، ليسهم بذلك القطاع في تنمية وتنويع الاقتصاد الوطني من خلال إضافة 60 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2040، إضافة إلى استحداث آلاف الوظائف النوعية للمواطنين من الجنسين عالية القيمة في العلوم والتقنية والابتكار.

تتويجاً لجهود المملكة الساعية إلى تطوير البحث والتطوير والابتكار، فقد شارك مؤخراً رائدا الفضاء السعوديَان "علي القرني" و"ريانة برناوي" برحلة إلى محطة الفضاء الدولية على متن المركبة دراجون المملوكة لشركة "أكسيوم سبيس".

هذه المشاركة العلمية والبحثية للفضاء تُعد من أبرز العناصر التي تعوّل عليها المملكة من خلال رؤيتها الطموحة 2030 لتعزيز قدرات المملكة في مجال البحث والتطوير والابتكار، سيما وأن الرحلة الفضائية تضمنت إجراء 14 تجربة علمية سعودية، منها 11 تجربة بحثية وعلمية في مجالات الأبحاث البشرية وعلوم الخلايا وتجارب الاستمطار الصناعي في بيئة الجاذبية الصغرى (أو ما يعرف تجاوزاً بانعدام الجاذبية)، إضافة إلى 3 تجارب تفاعلية تعليمية مع طلاب وطالبات المدارس في السعودية.

وفي إنجاز بحثي وعلمي آخر، فقد حصد الطلاب والطالبات المشاركون من مختلف مدارس ومناطق المملكة 27 جائزة في معرض ريجينيرون الدولي للعلوم، وكذلك على 6 ميداليات ذهبية، و2 فضية، و5 جوائز خاصة في معرض"آيتكس 2022" الدولي للاختراعات والابتكارات التقنية في ماليزيا.

من الواضح جداً أن المملكة عازمة وبقوة خوض غمار البحث والابتكار والتطوير، سيما وأن ارتقاء الأمم على مستوى العالم من بين أحد أسبابه الرئيسة، البحث العلمي، الذي يُعد الأساس لتطوير المعارف والعلوم والاختراعات، بالإضافة إلى تطوير الصناعات والاقتصاد المعرفي.

دون أدنى شك بأن للمملكة جهودا ملحوظة في مجال البحث العلمي، وبالذات على مستوى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والجامعات السعودية، مثل جامعة كاوست وبقية الجامعات السعودية، بالإضافة إلى مركز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.

ولكن رغم تلك الجهود، برأيي أن المملكة بحاجة إلى مأسسة وتأطير البحث العلمي بما يخدم في المقام الأول متطلبات واحتياجات التنمية في المملكة العربية السعودية، مما يتطلب تأهيل الباحثين وإعدادهم الإعداد الجيد الذي يمكنهم من الارتقاء بمستواهم البحثي والعلمي في مجال الاختراعات والتطوير والابتكار، كما أن الأمر يتطلب الارتقاء بمستوى التحليل والتقييم والاستنتاج والحوكمة للأبحاث والابتكارات والاختراعات، بما في ذلك تسهيل إجراءات تسجيلها محلياً ودولياً كبراءات اختراع.

أخيراً وليس آخرا؛ إن الأمر يتطلب التنسيق الحثيث بين مراكز الأبحاث على مستوى المملكة تفادياً للتكرار وتوفيراً للجهد والوقت والمال، بالإضافة إلى جعل نتائج البحث متاحة للجميع وإمكانية الوصول إليها بسهولة.

إن إحدى إشكاليات البحث العلمي والابتكار والتطوير في المملكة وفي غيرها، عدم ضمان الوصول للنتائج المتوخاة في وقتٍ قصير من الزمن، بالإضافة إلى أن البحث العلمي يتطلب استثمار أموال طائلة للوصول إلى النتائج المرضية وتحكيمها ونشرها، ليشمل ذلك مصاريف الترويج والتسويق.

إن التغلب على إشكاليات البحث العلمي والتطوير والابتكار في المملكة، لربما يتطلب توحيد الجهود والمزيد من التنسيق بين الجهات البحثية على مستوى المملكة، بما ذلك إنشاء شركة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، تُعنى بشأن البحث العلمي والتطوير والابتكار في المملكة للتغلب على الاعتبارات سالفة الذكر وأيضاً لخدمة أغراض البحث العلمي بالشركات المملوكة للصندوق.