في عالم الإدارة ذكرنا وباء أو جائحة كورونا –الله لا يعيده مهما كان المسمى– أن تقييم أداء الموظفين يعتمد على الإنتاجية وأخلاقيات العمل، والتفكير الإيجابي، والمبادرات والإبداع وليس التواجد في مقر العمل والالتزام بمواعيد الحضور والانصراف. أثناء كورونا حضرت المرونة وحضرت التقنية التي سهلت العمل عن بعد وهناك من يعتبر ذلك من مكاسب أو إيجابيات كورونا لكنها في الواقع حلول وخيارات في إدارة الأزمات فهي حلول اضطرارية لكن استمرارها –مثل العمل عن بعد– لا يتناغم مع أهمية التفاعل الإنساني المباشر. تقول صاحبة تجربة في العمل عن بعد وقد أشارت إلى بعض إيجابياته "أقف اليوم على أهمية العمل للبشر بوصفه وسيلة لتطوير سلوكهم ونمو شخصياتهم واستمرار إنسانيتهم، ونعيش فطرتنا بوصفنا بشرا خلقهم الله اجتماعيين يحتاجون من حولهم لنموهم الحقيقي وتكامل أدوارهم، وبمعنى آخر لو انتقلنا للعمل والاجتماع عن بعد لفترة أطول فنحن قد نفقد إنسانيتنا وعلاقاتنا".. مذكرات مدير موارد بشرية/ تأليف د. نهلة عبدالله الحاج.. دار مداد للنشر والتوزيع.

كورونا كان اختبارا للرقابة الذاتية ودرسا للمديرين الذين يركزون على حضور وانصراف الموظفين. فهل تغيرت الأساليب الإدارية في الإشراف والتقييم والاتصال بعد كورونا؟ الواقع يقول إن الذي تغير هو دخول التقنية لتحقيق رقابة أكثر دقة ليس على الإنتاجية وإنما على الانضباط في الحضور والانصراف.
ما يقال عن العمل عن بعد يقال أيضا عن التعليم عن بعد.

التطور التقني ساعد على التكيف مع الظروف الصعبة التي سببتها كورونا وهو حل مؤقت ولا يمكن أن يستمر ليكون بديلا للتفاعل الإنساني المباشر. المدرسة ليست مكانا لتلقي المعرفة فقط، هي حياة اجتماعية وتربوية ونفسية، ومهما بلغت التقنية من تطور فهي توفر حياة عن بعد وليس حياة حقيقية.

كورونا مهما كانت أسبابها ومصدرها وحقيقتها كانت أيضا تقييما لإمكانات الدول في كافة المجالات، في أنظمتها وثقافتها وبنيتها التحتية وفي مستوى الرعاية الصحية بشكل محدد. كانت كذلك بمثابة البطاقة الصفراء في وجه العالم ليقوم بعملية تقييم ثقافي وأمني واجتماعي وتربوي وسياسي وإداري وصحي. خلال كورونا كان الهم الإنساني واحدا في كل مكان، فلماذا لا يستمر كذلك في كل الظروف؟ كانت الرعاية الصحية تتطور، والقرارات حاسمة ونافذة، والأمن الصحي متاح للجميع، والاهتمام بالتغذية الصحية، والأخذ بأسباب الوقاية، والتعاطف الإنساني، والتكافل الاجتماعي والتطوير الإداري.. أليست هذه الجماليات الإنسانية والإدارية هي التي يجب أن تستمر وليس العمل عن بعد أو التعليم عن بعد؟

كورونا في بعده الإنساني يقول للعالم توقف عن العنصرية، والتعصب الفكري، والحروب.. وجه ضربة قاضية للمخدرات، أوقف الحروب، حارب الجهل والفقر والأمراض وأوقف استغلال الدول العظمى لمقدرات الشعوب وحقق العدالة والحياة الكريمة للجميع.