استئناف إسرائيل الحرب على غزة بعد أسبوع من الهدن الموقتة، يعتبر بمثابة فشل للدبلوماسية الأميركية. وهذا الفشل عائدٌ إلى العجز عن ممارسة ما يكفي من الضغوط لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتمديد وقف القتال، إفساحاً في المجال أمام إطلاق مزيد من الأسرى وإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع، والبحث في الخيارات السياسية.

استئناف الحرب ونقلها إلى جنوب القطاع ينذر بمخاطر جمة. إن أكثر من 1,8 مليون شخص باتوا الآن موجودين في شريط ضيق من الأرض وسط ظروف كارثية لا تحتمل، وفق ما تؤكد وكالات الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية وحقوقية أخرى. كما أن الاستراتيجية التي تعلنها "حكومة الحرب" الإسرائيلية لجهة تصعيد الضغط العسكري على حركة "حماس" لدفعها نحو تقديم تنازلات في ملف الأسرى، لن تحقق هدفها وستزيد في معاناة المدنيين ليس إلا.

إن كل الكلام الأميركي عن الطلب من إسرائيل مراعاة القانون الدولي وتحييد المدنيين بعد انتقال القتال إلى الجنوب، لا يبدو منطقياً، إذ كيف يمكن شن غارات جوية وقصف مدفعي في وسط هذه الكثافة السكانية والحديث عن إمكان تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين؟!!! وأثبت نسق الحرب أن إسرائيل لم تتورع عن شن غارات في مناطق سكنية بحجة وجود مقاتلين فيها. حدث هذا في جباليا أول الحرب وحدث بعدها في مستشفى الشفاء ويحدث الآن في خان يونس ورفح.

وهذا ما يدحض كل الكلام عن إمكان تحييد المدنيين. وكان يتعين على واشنطن أن تضغط أكثر على إسرائيل لالتزام الهدن وعدم مد الحرب جنوباً.
ثم إن معاودة الحرب، تثير مجدداً احتمالات توسعها إلى خارج غزة، وعادت الجبهة مع لبنان إلى السخونة مجدداً، مع عدم إمكان التنبؤ بالمدى الذي يمكن أن يذهب إليه التصعيد الجديد.

وتوسع الحرب يضع الولايات المتحدة في مأزق، لأنه يترافق مع إمكان تورط أميركي مباشر إذا ما تصاعدت الهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا، أو تعرضت قطعها البحرية في مياه الخليج لهجمات أو استفزازات. ومنذ أيام أصدرت قيادة الأسطول الخامس الأميركي تحذيراً لطهران بسبب تحليق مسيرة إيرانية على مسافة 1500 متر من حاملات الطائرات الأميركية "أيزنهاور" التي تبحر في مياه الخليج.

لا بد من أخذ كل هذه المعطيات في الحسبان مع تجدد الحرب في غزة. ولهذا ليس من المبالغة نعت الدبلوماسية الأميركية بالفشل في ما يتعلق بالصراع الدائر الآن في الشرق الأوسط. إن غزة هي أخطر اختبار تمر به إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منذ وصولها إلى البيت الأبيض قبل ثلاثة أعوام. هي أخطر من حرب أوكرانيا لأن احتمالات التورط المباشر هنا أعلى بكثير مما هي في أوروبا. والعودة إلى التورط في حرب شرق أوسطية جديدة بعد التجربتين الفاشلتين في أفغانستان والعراق، ستنتهي بنتائج كارثية أشد وأدهى على أميركا والمنطقة، على حد سواء.

كانت أمام واشنطن فرصة للضغط على إسرائيل كي تمدد الهدن وتفتح الأفق السياسي أمام الفلسطينيين، وتالياً الشروع في إطلاق مبادرة لوضع حل الدولتين على نار حامية.

إن استمرار الحرب لن يحل الصراع في الشرق الأوسط. كما أن سياسة الإدارات الأميركية المتعاقبة التي كانت قائمة على الاكتفاء بإدارة الصراع من دون الولوج إلى لب الحل عبر دبلوماسية ناشطة، جعلت المنطقة دائماً أشبه ببرميل بارود.

إن مزيداً من القتل والدمار في غزة وفي الضفة الغربية ولبنان وسوريا، لن يحل قضية بهذا التعقيد عمرها 75 عاماً. ووحدها أميركا القادرة على القول لا لإسرائيل، وهي تملك الكثير من الوسائل لدفعها إلى وقف الحرب والقتل على الأقل.