منذ توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، أي منذ 45 عاماً، لم تشهد العلاقات بين القاهرة وتل أبيب توتراً يصل إلى حافة الهاوية مثلما يحصل اليوم.
ملفّ التوتّر اسمه "غزة"، وقضية الخلاف هي التهجير القسري لسكّانها على حساب تسوية مرفوضة لأراضي سيناء المصرية، ومركز الخلاف اليوم مدينة رفح، ومحور فيلادلفيا العازل بين البلدين.
ليس من المبالغة أن نقول إنّ المستوى السياسي في إسرائيل أعطى منذ ساعات الضوء الأخضر للمستوى العسكري للقيام بعمليات في منطقة رفح ومعسكر اللاجئين الأوسط، وبالمقابل تقدّمت أكثر من 40 مدرّعة مصريّة إلى حافة الحدود المصرية مقابل المعبر وخلفها مجموعات خاصّة من قوات الصاعقة بتشكيلات ميدانية قتالية.
باختصار نحن عسكرياً أمام وضع لديه 4 ملامح واضحة:
1- الوصول عسكرياً إلى ما يعرف بحافة الهاوية السياسية الأمنيّة.
2- الوصول عسكرياً إلى مرحلة ما قبل القتال المباشر (أعلى درجات التعبئة).
3- غضب عظيم لدى رئاسة الجمهورية المصرية من تصريحات وسلوكيات وأفعال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تجاه ملفّ الحرب في غزة، والشعور بخيبة أمل من ردّ الفعل الإسرائيلي تجاه الوساطة المصرية القطرية في ملفّ تبادل الرهائن ووقف إطلاق النار.
تصريحات اليمين الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي التي تحمّل مصر مسؤولية تهريب السلاح إلى حماس، وتدعو إلى حلّ مشكلة سكان غزة على حساب الأراضي المصرية وفق منطق مغلوط يدّعي أنّه إذا كانت غزة 361 كلم2 ومكتظّة بالسكّان فلماذا لا تقوم مصر بتوطين سكانها في سيناء البالغة مساحتها 62 ألف كلم2؟
مع الملاحظة أنّ مساحة مدينة رفح 151 كلم2 والشريط الحدودي 14 كلم!
القاهرة ترفض
ترفض تماماً القاهرة على لسان رئيسها في لقاءات الغرف المغلقة والعلنية، وفي الرسائل المباشرة عبر الوسطاء أو المنقولة مباشرة للأجهزة الإسرائيلية، مجرّد الاستماع إلى أيّ عرض أو مشروع إسرائيلي لاستضافة مصرية مؤقّتة أو دائمة للفلسطينيين على الأراضي المصرية مهما كانت ملامح الصفقة.
رسائل مصر التي قيلت لأنتوني بلينكن في زياراته الأربع لمصر، وأخيراً في الزيارة الخامسة والأخيرة كانت واضحة جدّاً ومفادها:
1- أنّ أيّ عمليات عسكرية إسرائيلية في رفح بهدف التهجير القسري لسكان رفح البالغ عددهم الآن 1.3 مليون نازح ولاجئ هي عمل مرفوض سيقابل بمنتهى القوة والحزم من الطرف المصري (عدد سكان رفح الآن تضاعف 6 مرّات خلال 60 يوماً).
2- أنّ أيّ أعمال عسكرية في محور فيلادلفيا هي اعتداء على مضمون وروح النصوص المنظّمة لمعاهدة السلام بين البلدين منذ 45 عاماً، وهي مخالفة صريحة تهدّد الاتّفاق ككل. مع الإشارة إلى أنّ محور فيلادلفيا يمتدّ من البحر الأبيض شمالاً حتى معبر كرم أبو سالم جنوباً.
3- أنّ هناك مشروعاً ما زال قيد التداول بين القاهرة وتل أبيب حول إمكانية تعهّد إسرائيل بعدم القيام بأيّ أعمال عسكرية في رفح إلى حين عودة نازحيها الحاليين إلى شمال غزة ثمّ القيام ببناء مشروع أنفاق وجدار إلكتروني متطوّر وعميق في باطن الأرض وشديد الارتفاع بتمويل دولة إقليمية في المنطقة.
يرى البعض أنّ هذا المشروع يحظى برعاية أميركية وقبول من الاتحاد الأوروبي لأنّه يمنع أيّ تصعيد بين القاهرة وتل أبيب.
يحدث ذلك كلّه في وقت تعمل السلطات والأجهزة المصرية جاهدة مع رئيس الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز وقيادة موثوقة من حماس بالتعاون مع قطر لإنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار مرتبط بهدن على مراحل تنتهي إلى وقف كلّ العمليات مقابل إطلاق كلّ الرهائن من الطرفين.
ثلاثة أسئلة مطروحة
السؤال المطروح دائماً هو ماذا بعد هذا الاتفاق؟
ثلاثة أسئلة تبرز على الفور:
1- ما هو مستقبل حركة حماس؟
2- ما هو مستقبل السلطة الفلسطينية؟
3- ما هو مستقبل قطاع غزّة؟
فوق هذه الاسئلة الثلاثة يأتي سؤال نتانياهو الذي "يبيع ويشتري" به أيّ كلام أو أيّ نقاش سياسي مع الأميركيين ومع الرأي العامّ الإسرائيلي: ما هي
الضمانات الأمنيّة التي تضمن للشعب الإسرائيلي عدم تكرار "إرهاب ومجازر 7 أكتوبر"، على حدّ وصفه؟
باختصار، ما هو الترتيب الأمنيّ الضامن لإسرائيل؟
مهمّة مصر شديدة الصعوبة، وهي تبديد مخاوف طرفين لا يثق أحدهما بالآخر وبينهما دماء وهواجس ومخاوف تؤثّر بشكل مباشر على مستقبل قيادة كلّ طرف منهما.
ما يدركه يحيى السنوار ونتانياهو أنّ شكل المخرج النهائي من عملية غزة هذه له التأثير الأساس والمباشر على مستقبل كلّ منهما السياسي.
باختصار إمكانية حلّ وسط يرضي الجميع هذه المرّة شبه مستحيلة. كلّ طرف يسعى إلى ثمن نهائي يمكن تسويقه لجماهيره على أنّه انتصار.
التعليقات