يعتمد تحقيق أي مسيرة تنموية على العديد من العوامل الجوهرية؛ من أهمها حسن استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة والقدرة على الاستفادة التامة من الموارد البشرية وخلق مناخ استثماري جاذب، غير أن أحد أهم العوامل التي يمكن أن تسير قدماً بقافلة التنمية التي تهدف إلى تحقيق الرفاهية والرخاء للمواطنين هو توافر الشخصية القيادية القادرة على إدارة المنظمات -على اختلافها- بشكل فعّال في ضوء الخطط الاستراتيجية العامة للدولة، وذلك من خلال الاستغلال الأمثل لموارد هذه المنظمة وحسن إدارة الموارد البشرية التي تعمل من خلالها لتحقيق الأهداف المطلوبة.

التنمية ليست أحجاراً ولا نقوداً، بل هي فكر واعٍ وإدراك طَموح واستشرافي قادر على التنسيق بين الأهداف الاستراتيجية وبين الموارد المتوفرة أو المتاحة، وهو يملك من الأدوات ما يُمكّنه من خلق بيئة إبداعية قادرة على اكتشاف الإمكانات الكامنة في كل فرصة ودمجها في عملية التنمية على نحو كفء وفعّال، فالكثير من الدول تتوفر لديها الموارد الطبيعية والبشرية ورغم ذلك تعاني الفقر بسبب عدم إدارة تلك الموارد بالطريقة الملائمة، وهو ما يتسبّب بطبيعة الحال في هدر تلك الموارد الثمينة بل وإضاعتها بالكامل، مما يتسبّب في إصابة غالبية مواطنيها باليأس والإحباط.

يتداول الكثيرون المقولة الشهيرة «الرجل المناسب في المكان المناسب»، غير أن الأمير الشاب محمد بن سلمان أدرك أن الصواب هو أن يكون «الشخص المناسب في المكان المناسب»، فالشخص هنا قد يكون رجلاً أو امرأة، فالمهم هو ما تتمتع به الشخصية القيادية من مؤهلات وإمكانات وقدرات إدارية مميّزة، وهذه الحقيقة أصبحت محور الإصلاحات الجوهرية في المملكة، ومن خلال رؤية 2030 أصبح التركيز على تحقيق الأهداف التنموية هو المدخل الأساسي عند اختيار القيادات، وبالتالي فإن الأكفأ والأكثر مهارة واجتهاداً غدا هو المسؤول الذي يتم اختياره.

من المؤكد أن نجاح أي منظمة يعتمد بصورة كاملة على اختيار قيادات تلك المنظمة، التي تبدأ باختيار رئيس المنظمة نفسه، فهو من سيتولى إدارة المنظمة وهو المسؤول عن أدائها أمام الدولة، ولعل أهم المهام التي تقع على عاتقه هو اختيار القيادات التنفيذية نفسها بدءاً من نوابه ثم رؤساء الإدارات الأخرى فيها، ومن الطبيعي والمنطقي أن يتم اختيار تلك القيادات وفق ما تتمتع به من كفاءات ومهارات وخبرات، فالقيادة لا تتمثل في قمة الهرم الوظيفي فحسب، بل هي مجموع العقول والمهارات التي يقوم قائد المنظمة بالتنسيق فيما بينها وفق خطط المنظمة للتوصل لأفضل نتائج ممكنة، وهو الأمر الذي يحرص كل قيادي على تحقيقه بكفاءة تامة، لأن نجاحه في اختيار تلك القيادات يعني نجاح المنظمة ككل، وبطبيعة الحال يسعى رئيس المنظمة الكفء لاستقطاب الكفاءات وضمها لمنظمته وتحفيزهم بشتى الطرق لبذل المزيد من الجهود، بعكس رئيس المنظمة المتمحور حول نفسه، الذي يجد غضاضة في أن يبرز أحد مرؤوسيه خوفاً من أن يسرق الأضواء منه، لذلك يعمد دوماً لمحاربة الناجحين والمجتهدين، ورئيس المنظمة غير الكفء هو أسوأ من يختار معاونيه.

يحضرني في هذا السياق أحد اللقاءات المهمة التي أجريت مع الأمير الشاب محمد بن سلمان عندما ذكر على نحو صريح أن بعض الوزراء في العام 2015 لم يكونوا بالجدارة المطلوبة لتحقيق مسيرة التنمية الطموح، وهذه الملاحظة التي أبداها ولي العهد تعني أولاً وأخيراً أن القيادات العليا ببعض الوزارات لم ترقَ للمستوى المطلوب، مما تجسّد في تدهور ملموس لأدائها على كافة المستويات، ومن الطبيعي أن ينعكس عدم جدارة رئيس أي منظمة على اختياراته لقيادات المنظمة التي يترأسها والتي ستتم حينئذٍ طبقاً لمبدأ الشللية أو المزاجية إن صح التعبير، وهو ما سيؤدي تباعاً لتدهور في الإنجاز العام مما ينعكس بالتبعية على أداء جميع العاملين، وهو ما يؤدي في النهاية لفشل المنظمة وعدم قدرتها على الإنجاز.

من المؤكد أن المواطن في أي دولة هو معيار الحكم على منجزات التنمية، ويتمحور تقييم أداء أي منظمة -سواء كانت مرفقاً حكومياً أو خاصاً- من خلال المستفيدين من خدماتها، ولا شك لدينا في تمتع قياداتنا بالوطنية التي تنعكس في تفكيرهم الدائم في تحقيق مصلحة الوطن والمواطنين أولاً وأخيراً، ومن المؤكد أن الاستغلال الأمثل للموارد البشرية في المملكة ذكوراً وإناثاً ساهم خلال السنوات القليلة الماضية في دفع عجلة التنمية للأمام بشكل إيجابي وبوتيرة متزايدة، كما ساهم أيضاً في تقليل الاعتماد على العمالة غير السعودية بصورة ملموسة، مما ساهم في نهاية المطاف في ارتفاع متوسط دخل الأسرة وحقق أحد أهم أهداف التنمية المرجوة في تحقيق الاستقرار والرخاء للمواطن السعودي.