مرة ثانية.. الكتب القديمة. وجهات النشر القديمة، وحين تعود إلى ذلك الزمن الورقي الحميم تجد صعوبة في التخلّص من كثافة الحنين التي تغمرك وأنت في الخمسين أو الستين، وقد أبقيت وراءك خيطاً من الدموع. لا لأنك كنت تبكي، بل، لأن للكتب وكتابها مثل ذلك الدمع.. كنّا في الثمانينات (شعراء قصيدة التفعيلة) نشتري الكتب من مخازنها الأصلية، وأقصد بها:.. الهيئة المصرية للكتاب في القاهرة، ووزارة الثقافة في دمشق، ودار الشؤون الثقافية العامّة في بغداد، وسلسلة عالم المعرفة في الكويت، ودور النشر التاريخية العريقة في بيروت، التي كانت آنذاك عاصمة الأسلحة، كما كانت في الوقت نفسه عاصمة الأرز والفرح وفيروز.. اليوم طرأ الكثير على تلك العواصم، قلّت الكتب وقلّ صناعها العتاقى الأجداد، وكثر السلاح.. قل، كثرت الدموع.ضع الحزن جانباً مثل تمثال من الفخّار قابل للكسر في أي لحظة، واقرأ معي من كتب زمان هذه القصيدة الحلوة عن العنب لشاعر فارسي نقله د. إبراهيم الدسّوقي إلى العربية في الثمانينات تلك.. هو: (نادر نادر بور):.. «..ماذا تقولون؟../.. أي شهد هذا../.. ذلك الرحيق الذي يوجد في كل حبة عنب حلوة../.. أي شهد هذا؟؟.. إنه دمع../.. دمع البستاني العجوز الكادح الذي قطع الطرق ليلاً../.. وظل ساهراً طوال الليل حتى السحر../.. فروى الكرم../.. وانحنى ظهره».هل تريد شيئاً في النقد الأدبي؟ حسناً، عد إلى الثمانينات أيضاً. ثلاثة وعشرون كاتباً وكاتبة يردّون على سؤال واحد: «ما هو النقد؟»، فقط لا غير.وسوف تشكل الإجابات كتاباً بأكمله من أكثر من 300 صفحة من القطع الكبير يجمعها، وينسقها، ويحررها (بول هير نادي) وتنقلها إلى العربية سلافة حجاوي، ويصدر الكتاب عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد (1989).إلى اليوم، ونحن في 2024 تطرح بعض الصحافات الثقافية سؤال (ما هو النقد؟)، وأحياناً يجري تدوير السؤال بصيغة ما النقد الأدبي؟، وأحياناً، ما النقد الثقافي؟، وأياً كانت الصيغة، فما الذي يمكن أن نقرأه بعد ثلاثة وعشرين بحثاً في سؤال مطروح قبل أكثر من ثلاثة عقود؟؟هل بعض المواد الفكرية والأدبية في ثقافتنا العربية هي (مادة اجترارية). مادة مدوّرة عن أسئلة وإجابات أكل الدهر عليها وشرب كما يقولون، (والدهر) لا يأكل ولا يشرب، ولكنه يُهْلك وَيُحطّم،.. ولسببٍ ما ارتبط الدهر بالعطّار،.. ولم يصلح العطّار ما أفسده الدهر..
- آخر تحديث :
التعليقات