عبداللطيف الضويحي
ليس هناك ما هو أصعب من دراسة التنوعات الإحيائية والجيولوجية الممتدة عبر مساحات مترامية من المحميات الطبيعية، فضلاً عن الحفاظ على معادلة التوازنات البيئية الطبيعية بين كافة المكونات النباتية والحيوانية والجيولوجية والطبوغرافية، بما في ذلك من حماية للحياة الفطرية في المملكة، وبما يعنيه ذلك من تحويل تلك المحميات إلى تنظيم وهندسة تنسجم وتتناغم مع طبيعة وبيئة المحميات وبما يضمن عدم تتضرر ممتلكات المواطنين والقرى والهجر التي تقع ضمن نطاقها، وبما يعنيه ذلك من تقنين الصيد والرعي ومنع الاحتطاب في سبيل زيادة الغطاء النباتي ورعايته واستدامة نماء وإنماء البيئة الطبيعية للحيوانات والنباتات والمحافظة عليها.
تعددت المحميات في المملكة وغطت مساحة كبيرة من الجغرافيا السعودية خلال السنوات الأخيرة، وذلك تحقيقاً لمستهدفات رؤية المملكة واستجابة لعدد من الاعتبارات المهمة بيئياً، مناخياً، سياحياً، واقتصاديا. فكلنا يدرك التأثير المتزايد للعامل البيئي والمناخي في هذه المرحلة في منطقتنا والعالم؛ ولأن المملكة تلعب دوراً جوهرياً وريادياً لاستعادة الغطاء النباتي وتحقيق المعدل الطبيعي بالحد من العوامل المؤثرة سلبياً على التدهور البيئي والمناخي، فأطلقت السعودية مبادرات المملكة الخضراء والشرق الأوسط الأخضر إدراكاً من سمو ولي العهد لأهمية تكامل الأدوار بين دول المنطقة والعالم في هذا الجانب. بالإضافة لإسهامات البيئة الطبيعية وزيادة الغطاء النباتي والتشجير والحفاظ على التنوع البيئي والطبيعي وانعكاس كل ذلك مباشرة أو غير مباشرة على النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية ككل.
إن عملاً بحجم ما تقوم به المحميات في المملكة يتطلب كثيراً من الوعي ومفاعيل التغيير في الوعي والسلوك الإنساني، وذلك تحقيقاً للمستهدفات البيئية والمناخية، بما يعنيه ذلك من حاجة ماسة من شراكات في كافة المستويات والأطراف المعنية والمهتمة بما في ذلك التوسع بالمحميات لتشمل المزيد من الجغرافيا والاعتبارات.
من هنا وضمن هذا السياق، دشّن منتدى الأمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية الأسبوع الماضي في منطقة الجوف، الملتقى السنوي بموضوع «المحميات في المملكة العربية السعودية» ومركز الأمير عبدالرحمن السديري سبّاق دائماً بطروحاته التنموية ولعب دوره التنويري الريادي. حضر المنتدى العديد من المعنيين والمهتمين، حيث شارك في المنتدى نخبة من القائمين على المحميات ومن الأكاديميين: الأستاذ عبدالله العامر (الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الملك سلمان)، والأستاذ عبدالله الطلاسات (مدير عام المناطق المحمية بالمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية) وأ.د. محمد بريك (عميد كلية العلوم جامعة جرش)، والدكتور محمد الشايع (كلية علوم الأغذية والزراعة جامعة الملك سعود).
أخيراً، من المهم في نظري، دراسة وبلورة هوية سياحية واقتصادية خاصة بكل محمية من المحميات، تتميز وتتفرد وتشتهر بها دون بقية المحميات؛ لتكون مستقبلاً جزءاً أصيلاً من هوية المحمية السياحية والاقتصادية، مع إيماني وتفهمي بأن هناك الكثير من المشتركات بين كل هذه المحميات أو بعضها البعض، إلا أن إيجاد هوية خاصة بكل محمية سيوجد لكل محمية سوقاً سياحية واقتصادية خاصة، يتمثل بنوع السيّاح، وهذا سينعكس مردوده وأثره على نوعية وكمية الفرص الاستثمارية. فهناك الكثير من النباتات والأشجار والطيور والكائنات والمواقع المكررة في كل المحميات أو في أغلبها، إلا أن هذا يجب لا يمنع أبداً بلورة هوية خاصة بكل محمية ضمن كل هذا المكرر والمتشابه.
التعليقات