خالد بن حمد المالك

استفادت إسرائيل من أحداث السابع من أكتوبر كغطاء يُخولها لأن تقوم بما قامت به من جرائم إنسانية، ومن حرب إبادة، ومن احتلال لأراض فلسطينية وسورية ولبنانية كانت عصيبة عليها.

* *

وجاء تفهم العالم بأن إسرائيل تدافع عن نفسها، مبرراً لدعمها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، والسماح لها بعدوان غير مسبوق، مستفيدة من السلاح الأمريكي والأوروبي لتكون هي المتفوقة في هذه الحرب، كما كان تفوقها في الحروب السابقة.

* *

لقد حققت إسرائيل إثر أحداث السابع من أكتوبر ما لم تحققه في ثمانين عاماً، قضت على قدرات حماس وحزب الله، وحيَّدت إيران، وأضعفت أذرعتها ووكلاءها، وقتلت أكثر من خمسين ألف فلسطيني، وجميع قادة الصف الأول في حماس وحزب الله، وحولت قطاع غزة إلى أراض محروقة، ومناطق في لبنان إلى أراض دون عمران.

* *

بل إن عدوان إسرائيل امتد إلى سوريا التي لم تكن شريكاً في هذه الحرب، خوفاً من أن يشكِّل النظام الجديد في المستقبل تهديداً لإسرائيل متى انتهت فترة المرحلة الانتقالية، وتم تنظيم صفوف الجيش، وهو موقف عدواني من إسرائيل مبني على الظن، والعمل الاستباقي الذي اعتادت عليه إسرائيل.

* *

لقد شكلت أحداث السابع من أكتوبر حالة جديدة من الصراع كانت نتائجه لصالح إسرائيل، ومدمرة لمشروع خيار الدولتين، معطية المبرر لأمريكا تحديداً لتأخذ بقرارات غاية في الخطورة ليس لتهجير الفلسطينيين قسراً من قطاع غزة، وإنما محاسبة كل من ينتقد اليهود ومنعهم من دخول أمريكا، وفصلهم من جامعاتها.

* *

لقد صاحب الجميع الفرح في الأيام الأولى من أحداث السابع من أكتوبر، ليكتشفوا لاحقاً أن تداعيات هذه الأحداث قد مست مصالح الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، بما لا قدرة لهم على مواجهة إسرائيل للدفاع عن حقوقهم، وهو ما يجب الاعتراف به.

* *

إن انتصار إسرائيل في كل الجبهات لا يعني تخلي الفلسطينيين والعرب عن حقوقهم، ولا التسليم بأن هذه ستكون آخر حرب ما لم يسترد أصحاب الحق حقوقهم، فإسرائيل بدون أمريكا والغرب دولة من ورق، ويساور سكانها اليهود الخوف الدائم من أن يكون لها وجود دائم في أرض ليست لهم.

* *

ومن يدري، فقد لا تكون أمريكا في المستقبل هي أمريكا كما هي اليوم، فالسياسات والقدرات والمتغيِّرات في هذا الكون ليست لها صفة الديمومة، وبالتالي فإسرائيل إذا ما اعتمدت على قدراتها الذاتية فلن تستطيع أن تبقى في وضع الدولة الإرهابية في المنطقة، المحتلة للأراضي الفلسطينية.

* *

لكن من الضروري أن يستفيد الإخوة الفلسطينيين من الدروس والعبر والنتائج التي انتهت بها جولتهم في أحداث السابع من أكتوبر، فقد كانت نتائجها كارثية بكل المقاييس، أثَّرت فيما كان ممكناً وحاضراً لإقامة الدولة الفلسطينية خلال السنوات القليلة القادمة، وأخَّرتها إلى ما لا نعرف، وقد تكون إلى المجهول.

* *

هذا يعني أن تتوحَّد كلمة الفلسطينيين، أن تنتهي الخلافات بين المنظمات الفلسطينية، وأن تكون الحروب القادمة، والتفاهمات المستقبلية، ومن بيده قرار الحرب والسلام، لها كلها مرجعية واحدة، وجهة مناط بها هذا الدور.

* *

استرداد الحقوق -وهذا ما يعرفه الفلسطينيون- يأتي أولاً من الاعتراف بالأخطاء، والبناء عليها لتصحيح الأوضاع في الداخل، ومع الدول العربية الشقيقة، وعدم الانجرار إلى التعاون مع دول غير عربية لن تكون كما هي الدول العربية حريصة على مصالح الفلسطينيين، وإن أظهرت تعاطفها وتعاونها لحسابات سياسية.

* *

القضية الفلسطينية تمر الآن بأسوأ أوضاعها، فقد تراجعت وضعفت، وهُيئت لتكون هكذا بمؤامرة دولية، ربما تُكشف أسرارها في السنوات القادمة، فقد جُرَّ الفلسطينيون إلى مصيدة وكانت هذه نتائجها المدمرة.