احتفالات كنيس quot;الغريبةquot; تفتح جدلا واسعا بين التونسيين
الإسرائيليون في تونس...تطبيع أم تسامح ؟

إسماعيل دبارة من تونس: على الرغم من انتهاء طقوس الاحتفال السنويّ الذي يقام في كنيس quot;الغريبةquot; اليهوديّ بجزيرة جربة التونسيّة، و مغادرة أكثر من أربعة آلاف يهوديّ للبلاد، إلا أنّ المجال فتح واسعا لإثارة مسالة التطبيع مع دولة إسرائيل اثر مشاركة أكثر من ستمائة إسرائيليّ في احتفالات هذه السنة بـquot;الغريبةquot; في حين تحدّثت تقارير إخباريّة أخرى عن تجاوز عددهم الحقيقيّ الألف زائر قدم معظمهم مباشرة من خارج دولة إسرائيل. ليست المرة الأولى التي يحضر فيها أصحاب الجنسية الإسرائيلية احتفالات أقدم معبد يهوديّ في القارة الإفريقية، لكنّ الجدل الذي فتح بين التونسيين نخبا وعامة، وانتقل فيما بعد إلى أعمدة الصحف، يراه متابعون متوقّعا كون quot;حلول اليهود الإسرائيليين إلى تونس هذه السنة يأتي بُعيد العدوان على غزة ومقتل المئات من الأطفال والنساء وهو ما يمسّ بمشاعر الشعب التونسي المساند للقضية الفلسطينيةquot;.

وزير السياحة التونسي خليل العجيمي اشرف على تلك الاحتفالات التي شارك فيها- وسط اجراءات أمنية مشددة - مسؤولون إسرائيليون بينهم أعضاء من quot;الكنيستquot; ووزراء سابقون وصحافيون من وسائل الإعلام الإسرائيلية المكتوبة والمرئية. مسؤولون عن الطائفة اليهودية في جزيرة quot;جربةquot;، بالجنوب التونسي، ذكروا في تصريحات صحافية، أنّ عدد الزوار تراجع بشكل لافت مقارنة بالأعوام السابقة و ارجعوا ذلك إلى التوجس من أعمال انتقامية بعد حرب غزة الأخيرة.

أما رئيس الطائفة اليهودية في جربة، بيريز الطرابلسي، وهو المسؤول الأوّل عن كنيسquot;الغريبةquot;، فقد أثار غضب الكثيرين بدعواته المتكرّرة خلال كل سنة للسلطات التونسية بضرورة بفتح خط جوي مباشر بين quot;تل أبيبquot; وquot;جربةquot; مما سيرفع عدد الزوار الإسرائيليين لـ quot;الغريبةquot; إلى عشرين ألف زائر حسب تصريحات الطرابلسي.

وعلّق الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار معز زيود على تلك الدعوة بتدوينة نشرها عبر الانترنت قائلا:quot; لا يُمكن أن نفهم هذه الدعوة إلاّ على أنّها مطلب مقنّع للتطبيع الكامل بين تونس وإسرائيل، وهل يُمكن أن يعني الخط الجويّ المباشر أقلّ من ذلك في الوقت الذي لا توجد فيه خطوط جويّة مباشرة بين تونس وبعض الدول العربيّة؟ أم أنّ المطلوب هو مجرّد رحلات جويّة مباشرة من نوع quot;شارتيرquot; أيّ تقتصر على فترة quot;حجّquot; اليهود إلى المعبد اليهودي التونسي المذكور؟ ببساطة لا أعتقد في منطق هذا التأويل القاصر، وأرى أنّ بيريز الطرابلسي يُدرك ذلك جيّدا.. أمّا التفسير السياحي والمالي لتلك الدعوة فهو لا يستقيم بدوره، لأنّ عشرين ألف سائح ليس له مردود مالي يستحقّ الذكر بالنسبة إلى بلد مثل تونس يستقبل نحو سبعة ملايين سائح أجنبي سنويّquot;. وتشير احصاءات إلى أن أكثر من خمسين ألف يهودي من أصول تونسية يقيمون حاليا في في إسرائيل ويتولى بعضهم مناصب حساسة على غرار وزير الخارجية السابق سيلفان شالوم المولود في محافظة quot;قابسquot; الجنوبية،وأمين عام حزب العمل سابقا نسيم زفيلي.

باحثة يهودية لإيلاف: الذين غادروا تونس يتحسرون على العيش فيها

جدل في تونس إثر تقارير عن تدنيس المصحف

الأخزوري: الخطاب الديني التونسي هو الأفضل على الساحة الإسلامية

وعلى الرغم من غضب المعارضات التونسية المختلفة واحتجاجات بعضها على زيارة إسرائيليين إلى quot;جربةquot;، إلا أنّ الخطاب الحكومي الرسمي في تونس يرى في تسهيل زيارة رعايا إسرائيليين وآلاف اليهود من أوروبا إلى معبدquot; الغريبة quot;،quot;تكريسا للتسامح والحوار بين الأديان وليس تطبيعاquot;.

وذكر وزير السياحة خليل العجيمي أنّ تونس quot;برصيدها الحضاري العريق هي وريثة مخزون ثقافي ثري ومتنوع تعكس بصماته عراقة الحضارات التي تعاقبت على أرضها...الثراء الحضاري الذي تم تثمينه بشكل ملحوظ منذ فجر التغيير ساهم في تعزيز صورة تونس كبلد منفتح ومتسامح ومتوجه نحو الحداثة ومتمسك بتقاليده وبهويته وبقيم التضامن والتآزر والتفاهم بين الشعوب والثقافات والأديانquot;.

المسؤولون و الإعلام الرسمي حرصوا خلال زيارة اليهود الأخيرة إلى تكثيف الحديث و المقالات والفعاليات التي تتحدّث عن التسامح بين الثقافات والأديان وتغليب روح الحوار واحترام الآخر والتصدّي للعنصرية والتطرّف. ونُظّمت ندوة بالتوازي مع أداء اليهود لطقوسهم حملت عنوان quot;النموذج التونسي في التنمية والتسامح الثقافي والدينيquot; أشرف عليها هيكل أسّس لهذا الغرض يحمل اسم quot;كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديانquot;، إلى درجة أنّ ممثلي الجالية اليهودية ثمّنوا جيدا ما تحقق لتونس في عهد الرئيس بن علي من انجازات هامة في حين أعلن عدد كبير منهم مبايعته للرئيس الحالي ووجهوا له الشكر لترشحه لمنصب الرئاسة للمرة الخامسة على التوالي.

يقول المحامي خالد الكريشي القيادي بتيار quot;الوحدويون الناصريون بتونسquot; في تصريحات لـquot;إيلافquot;: quot; لقد أصبح أمرا عاديا وروتينيا وجود الصهاينة على أرض تونس العربية بدون رد فعل طبيعي يكشف عن حس شعبنا القومي وثوابته الرافضة لأي شكل من أشكال التعامل مع العدو الصهيوني، فقد سبق أن أنعقد بتونس منتصف شهر أغسطس من العام الماضي المؤتمر الحادي والثلاثين للإتحاد الدولي للجغرافيين بمشاركة وفد من الجغرافيين الصهاينة ضم إثنا عشر عضوا وصفهم مدير الجمعية الجغرافية الفلسطينية مسلم أبوالحلو، بكونهم يحملون رتبتين؛ الأولى عسكرية دموية، والثانية علمية جغرافية عنصرية وكانت سببا في مقاطعة الجغرافيين الفلسطينيين لهذا المؤتمر الذّي انعقد بمباركة وتسهيل من السلطة التونسية وقد مر الحدث في هدوء وصمت مريب مستغلا حالة الارتخاء الناتجة عن العطلة الصيفية والسياسية والقضائية والجامعية والدراسية.

ويتابع الكريشي :quot;أعلنت تونس تجميد علاقاتها مع دولة العدو الصهيوني وغلق مكتب الاتصال وجاء هذا القرار بعد تنكر الصهاينة لما يُسمى عملية السلام وضربها عرض الحائط بالاتفاقات المبرمة ذات الصلة وبكل قرارات الشرعية الدولية وذلك بالتنسيق الكامل مع السلطة الفلسطينية بعد أن وقف الجميع أمام وهم السلام وأنه سراب في سراب،يحسبه الظمآن من بعيد ماء،وكأن قضية فلسطين،قضية العرب المركزية الأولى تهم الفلسطينيين فقط، لقد تعطل قطار التطبيع الدبلوماسي الرّسمي خصوصا مع تعطل وتعثر ما يسمّى بعملية السلام لكنّ قطار التطبيع واصل سيره وإن اتخذ ألوانا وأشكالا أخرى كالندوات العلمية والجامعية والسياحة الدينية على غرار زيارة ألف إسرائيلي لجزيرة quot;جربةquot; بدعوى المشاركة في احتفالات معبد الغريبة،ولا ننسى كذلك العديد من الصفقات التجارية.quot;

جدل التطبيع مع الإسرائيليين والتسامح مع اليهود اشتدّ على أعمدة الصحافة الحزبية المعارضة، إذ ردّ أحد السياسيين بجريدة quot;الموقفquot; على مقال للمؤرّخ حبيب قزدغلي نشر بصحيفة الطريق الجديد اليسارية وذكر فيه أنّ 5000 يهوديّ قدموا من تونس ومن بلدان كثيرة لإحياء طقوسهم و أنّ كنيس الغريبة مازال يلعب دور حبل المشيم الذي يربط اليهود بوطنهم الأمّ وثمّن الجهود التي تقوم بها الحكومة التونسية لتأمين زيارة quot;الغريبةquot;، لكنّ الردّ في صحيفة quot;الموقف quot; تحامل بشدّة على المؤرخ التونسي كونه لم يشر إلى أنّ زيارة هذا العام تأتي بعدquot; العدوان الصهيوني على غزة الذي أودى بحياة ألف فلسطيني مؤكّدا أنّ تونس ليستquot; وطنا احتياطيا لليهود وأنها رقعة ارض وانتماء والتزام بثوابت وطنية مشتركة من بينها الالتزام بالقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينيةquot;.

وعلى الرغم من أنّ مقال المؤرخ في صحيفة quot;الطريق الجديدquot; دعا السلطات التونسية إلى الاستعاضة عن المجهود الأمني بالمجهود التربوي والإعلامي والثقافي و قبول الأخر المختلف إلا أنّ الردّ الذي حرّره الناشط السياسي عبد الجبار الرقيقي ذكر quot;إننا لسنا مطمئنين إلى الربط غير البريء بين زيارة quot;الغريبةquot; و مسألة التسامح الذي يفرض نفسه علينا وهو اقبلوا الآخر و تسامحوا و استقبلوا السياح الإسرائيليينquot;.

ويقول الناشط السياسي القومي خالد الكريشي:quot;أضحى من السهل جدا تبرير التعامل مع العدو الصهيوني بغلاف السينما والمسرح والندوات العلمية والفكرية والمباريات الرياضية والرحلات السياحية الترفيهية والحق المقدس في ممارسة الشعائر الدينية بجزيرة quot;جربة quot;والمبادلات التجارية والاقتصادية التي يربح منها البعض الملايين وغيرها من أشكال وصور خطيرة تشكل في حد ذاتها اعتداء على أمن الدولة الداخلي،ويرفع هؤلاء المُطبعين شعارات برّاقة في ظاهرها تحمل بداخلها السموم الزعاف من قبيل :quot;اعرف عدوّكquot; وquot;مقارعة عدوك بالحجةquot; quot;الواقعية تفرض هذا quot; وquot;نقبل ما قبل به الفلسطينيين quot; وquot;تونس أولا quot; على غرار quot;مصر أولا quot; وquot;الأردن أولاquot;.