كلما ادخل (شارع المتنبي) اراني انظر الى اعداد الكتب الهائلة بكثير من الدهشة ،اجدني اقلب بعضها وأتأمل الكلمات والحروف المنقوشة على الصفحات وأحاول البحث عن اسرارها ولكن لا احصل الا على ان الكتابة هي اعظم اختراع في حياة البشرية فأجدني اردفها بـ :لماذا؟
&
& & لماذا نكتب..؟ ويسرج السؤال علامات استفهام في الروح، وحين وجدت في الاجابة متسعا من التأمل رحت انظر الرفوف التي تعالت اليها الكتب، وعندها زرعت السؤال ذاته،فوجدت اوراقها تتحرك وكلماتها تكاد تطير ،وحين نظرت الماضي.. رأيت حشود الاسماء واقفة تشع كالانوار بينما الاجساد في غياب تام عنا، قلت: كل واحد منهم قال كلمته ومضى،ركزها في رقاع هامدة فضاءت، وقلت ايضا: ان الصاعد الى افق الكتابة سيجد في اعلى بواباتها عبارة (الكتابة .. اعظم اخترا في حياة البشرية) ، وانه مع اولى خطواته سيعلم منها ان بداية ظهور الكتابة هو الحد الادنى الذي يعين التاريخ،كما يقول ديورانت في كتابه (قصة الحضارة)، فأقف لاسال: ما الذي نعرفه عن الدنيا ابعد من خمسة الاف سنة ؟ فتراودنا الفكرة تلو الفكرة وبشخص سؤال اخر سرعان ما يتبدد كالدخان بعد معرفة القصد،بعد خمسة الاف سنة على تأليف اول كتاب، واعني به (ملحمة كلكامش) التي كتبها رجل من بابل القديمة، فما الذي كان يبحث عنه هذا الرجل؟ وما الذي نبحث عنه ونحن نكتب على غير ما كتب عليه كلكامش؟ وما هذه العملية التي تجعلنا نسعى اليها بوعينا واحاسيسنا.

ساهمت في تطوير العقل البشري
& &فقد اكد الباحث الدكتور.خزعل الماجدي،ان &لكتابة ساهمت في تطوير العقل البشري وجعلته ينتظم ويبدع ويتجدد، وقال :اختراع الكتابة فصل بين عصر طويل جدا يقدر بمليونين ونصف من السنوات اسمه (عصر ماقبل التاريخ) وعصر اسمه (العصر التاريخي ) الذي ظهرت فيه الحضارات البشرية منذ خمسة آلاف سنة ، وبكلام أدق تكون الكتابة هي السبب في نشوء الحضارات البشرية وماقبلها ليس إلاّ ثقافات بسيطة كانت تنتشر هنا وهناك في عصور ماقبل التاريخ . أي أن الكتابة حوّلت ماقبل التاريخ الى التاريخ،الكتابة هي خزين العقل البشري لأن بها ندونذاكرتنا البشرية كلّها،الكتابة ساهمت في تطوير العقل البشري وجعلته ينتظم ويبدع ويتجدد> &
واضاف: ولدت الكتابة من رحم فن التصوير، وكانت الرموز الكتابية الأولى منتشرة في لوحات الكهوف ورسومات الصخور، ولذلك نعد جذورها الأولى غارقة في فنون ما قبل التاريخ، بل لعلنا نجد اليوم أن خطوط وصور الكتابات القديمة والجديدة هي مصدر إلهام كبير للفنانين المعاصرين، فهي رموز محتشدة بطاقة تاريخية وجمالية وروحية كبيرة. والكتابة هو جزء من الإنسان التاريخي الذي بنى حضارات البشرية بل إنها فاتحة التاريخ وبداية العصر التاريخي القديم،أصبح من شبه المؤكد ،اليوم، أن السومريين هم من اقترح الكتابة المسمارية في حدود 3200 ق.م. والكتابة المسمارية هي كتابة كل حضارات وادي الرافدين القديمة (سومرية، أكدية، بابلية، آشورية) وهي كتابة ما حول هذه الحضارات من عيلامية وحيثية وهندية وصينية، بل أن مرحلتها الصورية كانت مصدراً للكتابة المصرية والكريتية والبروتوعيلامية...إلخ
وتابع: اخترع السومريون في جنوب العراق الكتابة في هذا العصر وكانت أعظم انجاز بشري ظهرت بسببه حضارات الإنسان المعروفة في العصور التاريخية &وهناك نظرية جديدة تؤكد الجذور النيوليتية والكالكوليتية للكتابة فهي ترى أن أول مرحلة مرت بها الكتابة كانت في 8500 ق.م &أي في نهاية الميزوليت، وكانت الكتابة عبارة عن رموز هندسية (geometric tokens) على الطين، وهذه الرموز لم تكن تظهر على الصحون والجرار واللوحات بل كانت تظهر على (أختام كروية Bullae) كان يظن سابقاً أنها ألعاب أطفال (كالدعبل أو كرات الزجاج)، ولكنها أثبتت أنها أشبه بوصولات الأمانة التي كانت تعلم بعلامات معينة لتدل على شراء أو بيع.
واوضح : الكتابة الصورية ثم المسمارية السومرية هي الأولى والأبكر أما الكتابات التي أتت بعدها كالمصرية الهيروغليفية &فقد ظهرت بعدها أي في في حدود 3000ق.م أي بعد بداية الكتابة الصورية السومرية ضمن منجزات العصور التاريخية لأن العصر الشبيه بالكتابي ( البروتولتريت ) عندما بدأ في العراق كان العصر الحجري النحاسي (الكالكوليت) &قد دخل لتوه إلى مصر وبذلك يبقى هذا الفارق الذي يشير إلى أسبقية الكتابة المسمارية على الكتابة الهيروغليفية، ووجد بعض المؤرخين والآثاريين تأثيرات الأولى على الثانية في النشأة والظهور..
& & وختم بالقول : الكتابة حققت للإنسان مالم يكن يحلم به من حضارات كبرى أوصلتنا إلى حالنا اليوم من تقدم علميّ وتقني لاحدود له &&
&
نوع من الحرية الممنوحة للنفس
& & &فيما قال القاص عبد الستار البيضاني : الكتابة نوع من تسويغ الحياة،انسجام مع النفس من خلال مجموعة اوهام القليل منها يتحول الى حقائق،وبعد ان تصبح حرفة تصير &وسيلة للوصول الى اهداف فكرية وانسانية والهدف الاكبر الذي نحن ،صادقون او واهمون،انك من خلال الكتابة تغطي اسرار الكون، واجمل ما في الكتابة هو التعويض عن فقدانات كثيرة اولاها البدايات او ما نسميها المراهقة الكتابية اذا جاز التعبير.
&واضاف: الهدف الاخر &هو ان الكتابة نوع من الحرية الممنوحة للنفس قبل ان تصبح عليها قيود القاريء والناقد ، وفي الجانب الاخر تعرضت رومانسية هذا الفعل الجميل او حلميته الى التزوير وتحولت الى وسيلة لتحقيق الوجاهة الاجتماعية او الشهرة> &&

صراع على &حدود المستقبل
اما الشاعر علي الامارة فقال :الكتابة هي المعول الذي بواسطته احاول هدم جدران الزمن،وهنا تكمن الفقرة بأن الكتابة هي فرصة سانحة لممارسة الحرية او بمعنى اخر محاولة الخروج من القفص الحجري، والكتابة هي صراع على &حدود المستقبل ونفخ الرماد في موقد الماضي لكي نشتعل بجمرة الرؤى وايماض الفكرة. &
&واضاف: واذن.. فهناك رأي وفكر وبئر عميقة نمد حبالها المائية حين تصبح قلوبنا دلاء نحاول ان نرفع همومنا الابدية الى الاعلى حيث تكمن العيون وتشخص الابصار. &
&وتابع: الكتابة مشاكسة تجعل من الكلمات المهملة فوانيس في ذاكرة الليل ونجوما في فضاء الوحشة، وهي حركة في سكون الاشياء ومحاولة للخرق وتجاوز مأزق الحيرة ، الكتابة اجنحة ضوئية وملاذات خصبة للهروب من عمق الاسئلة ومتاهة النسيان.
&
&الكتابة هي الأم
من جانبه اكد الروائي سعد محمد رحيم، &ان الكتابة هي الأم التي ولدت ما جاء بعد ذلك من علوم وفنون وآداب وفلسفات وقال : ها هنا نفترض أن الكتابة هي الاختراع الأعظم في تاريخ البشرية، وأنها تتفوق حتى على الكهرباء والانترنت والأقمار الصناعية في أهميتها. ولعل السبب يعود إلى أن البشر نظموا وعيهم واكتشفوا مديات عليا من طاقة العقل عبر الكتابة، بعدما صار ممكنا الاحتفاظ بتراثهم الفكري والأدبي والعلمي في شكل مدونات. وبذا تراكمت الخبرات، وأصبح ممكناً تسريع التحولات في مجالات العلوم والفنون المختلفة.
واضاف: فالكتابة هي الأم التي ولدت ما جاء بعد ذلك من علوم وفنون وآداب وفلسفات، ويسّرت أمر التعليم والإعلام والتواصل بين المجتمعات، وقيام الحضارة الحديثة بتجلياتها التقنية والمعرفية. لولا الكتابة ربما كنا اليوم بضعة ملايين أو أقل من ذلك، من بشر بدائيين، أو من الفلاحين والصيادين الذين لم يرتقوا بعد إلى درجة أعلى من الثورة الزراعية .
&
تحول جذري
اما الشاعر عبود الجابري، فقد اكد أن كل مانحن فيه من فرح معرفي سببه اختراع الكتابة وقال : مامن شكٍّ في ذلك ، الكتابة أعظم اختراع في تاريخ البشرية ، لأنها جاءت نتاج محاولات مستمرة من قبل الأقوام التي كانت ترى أن هناك ضرورة لإيجاد وسيلة لمخاطبة مايليها من أجيال تاريخاً وثقافة وتشريعاً .
&واضاف: اختراع الكتابة كان تحولاً جذريا قاد الإنسان الى الإنتقال من الشفاهي إلى المكتوب ، وهذا الأمر أدى إلى تكريس أهمية الوثيقة كدليل على وجود الأشياء وتاريخها بمالايقبل التلاعب &بها تبعا لأهواء الرواة .
&واضاف: كذلك فأنها ساهمت في توثيق محاولات العلماء لإنجاز بعض &الإختراعات المهمة وحين أدركتهم المنايا قام من يليهم بمتابعة العمل من حيث انتهوا ، وقد كان للتوثيق دوره في الحفاظ على الكتب السماوية فلولا ذلك لما وصل إلينا القرآن بشكله الحالي بينما تعرضت بقية الكتب إلى محاولات كثيرة لتحريف نصوصها وتزييف بعض الوقائع التي &وردت فيها .
&وتابع: شخصيا أرى أن كل مانحن فيه من فرح معرفي سببه اختراع الكتابة التي حملت الينا رسائل من سبقنا من الأمم.

اعظم انجازات السومريين&
فيما قال الكاتب والروائي محمد مزيد :الكتابة تعني الكلمة ، تعني ولادة الحقيقة من بطنها الام ، القلب والمشاعر والذهن ، الى فضاء الحياة المفتوح ابدا ، ودائما ، تعني الابحار في المعرفة والعلوم ، من دون رقيب .
&واضاف: لذلك كانت اعظم انجازات السومريين انهم جعلوا الحضارة تمشي على قدمين حيث حولوا قصصهم واشعارهم وصراعاتهم الى كلمات ، باختراعهم اللغة المسمارية ، نعم عزيزي ، الكتابة اعظم اختراعات البشرية

&أنبل وأسمى وأروع
مسك ختام الاراء كان رأي الباحث صباح محسن كاظم الذي اكد ، فقال :الكتابة هي الضوء والنور بزمن العتمة وطفولة الحضارة ،وهي التي نقلت لنا تاريخ البشرية وعلومها وحروبها وقانونها وفنونها وقصائدها ....وكل ماوصل له عالمنا اليوم بفضل ظهور الكتابة ،وكل الانثروبولوجيين بالعالم أكدوا على ان ظهور الكتابة في اور والوركاء وتخوم الحضارة السومرية من الكتابة المسمارية والصورية ثم تطورت اشكالها على الواح الطين لتدون الفعاليات الإنسانية ثم ظهرت الكتابة الهيروغلوفية بمصر ،والحضارات الهندية والصينية واليونانية والفارسية وأرجاء اخرى من العالم.
&واضاف:أنبل وأسمى وأروع ما قدم المنجز الحضاري الكوني ،هو الكتابة والتعدين والزراعة،فمن خلالها تشكلت الحضارة ،وبعرف الفكر ان التلاقح الحضاري يُساهم به الجميع،أي بمعنى ،الجميع شارك بصناعة الوعيّ،وبالتالي قدموا الخدمة الفكريّة والثقافيّة والمعرفيّة للإنسانية وللشرق ،والحضارة السومرية اهميتها وريادتها بالكتابة،لذا ندعو اليونسكو الى ضم اور والاهوار الى لائحة التراث العالمي في مؤتمرها القادم بتركيا بإعتبار اور موطن الحرف الأول والتدوين.
&