كان ذلك يوما مشهودا في تاريخ البشرية. ففي التاسع عشر من آذار/مارس من عام 1895، صور الأخوان اوغست ولوي لوميير ما أطلق عليه في ذلك الوقت إسم "مشهد تصويري متحرك" وكانت مدته 45 ثانية ويظهر فيه عمال وموظفون وهم يخرجون من بوابة مصنع الأسرة لوميير في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا للاستمتاع بفترة استراحة وتناول الطعام. ويتفق كثيرون على أن ما حمل لاحقا إسم سينما إنما ولد في ذلك اليوم وتلك الساعة.
بدأ كل شئ داخل مقهى بالتأكيد ويحمل إسم مقهى الأم دوما ويقع في شارع سان فكتور في ليون وتم تحديد يوم التاسع عشر من آذار/مارس لتنفيذ عملية التصوير خاصة بعد أن تحسن الطقس فجأة بعد أيام من الأمطار الغزيرة وبدا وكأن فصل الربيع قد حط رحاله في المنطقة.&
قبل منتصف النهار بدقائق ثبت الأخوان لوميير جهازا يكاد يشبه ماكنة خياطة خلف قواطع خشبية وكان معهما الكسندر بروميو الذي يمكن وصفه بأنه مصور سينمائي وكان يعمل مندوبا سابقا لشركة ميرسييه لإنتاج الشامبانيا ويتمتع بشخصية جذابة ولديه أحلام كبيرة. وتذكر المعلومات أنه أحضر معه زجاجة للإحتفال بالمناسبة، وكان أهم شئ في ذلك اليوم هو أن يتم التصوير دون أن ينتبه أحد لما يجري ولذا استخدمت القواطع الخشبية تحت سقيفة بيضاء تحجب الرؤية.
مرت دقائق الإنتظار بطيئة حتى دقت الساعة معلنة منتصف النهار. عندها بدأت عملية التصوير اليدوية. وفي ثوان فتحت بوابة المصنع لتخرج نساء يرتدين ملابس طويلة ويضعن على رؤوسهن قبعات ذات ألوان ربيعية فاتحة ومثلهن يخرج رجال بعضهم بقبعات وآخرون على درجات ثم نشاهد كلبا يتقافز داخل الجمع وبعدها عربة تجرها خيول ثم ما تلبث البوابة أن تنغلق مجددا ليتوقف التصوير.
هذا هو كل ما تم تصويره في ذلك اليوم وتلك الساعة على مدى خمس وأربعين ثانية فقط ولكن الإنجاز كان عظيما وهو ما جعل صحيفة "لا بوست" تكتب: "كل شئ يتحرك، إنها الحياة نفسها، تم اقتناص الحركة وهي نابضة بالحياة". أما فيليكس ميغيش الذي كان قد أنهى خدمته العسكرية ليعمل في تشغيل الجهاز الذي يعرض افلام الأخوين لوميير فصرخ قائلا أمام مشاهدين "أرباب العمل هؤلاء يمارسون السحر".&
ولكنه لم يقل كل شئ، فهذا الفلم الذي حمل عنوان "الخروج من مصنع لوميير في ليون" تضمن رغم قصره الكثير من المعاني أولها أنه جاء دليلا على بدء زمن الأجهزة والآلات والمكائن، وثانيهما أن الفلم يروي قصة البروليتاريا في كنف حضارة صناعية. حتى فكرة منع من يتم تصويرهم من التركيز على الكاميرا بدأت هنا. هذا الفلم شهد أيضا ولادة عملية تضبيط الكادر وتحديد العمق المطلوب وتطويع الضوء إضافة إلى ولادة مفهوم الأفلام الوثائقية. وثبت هذا الفلم أيضا ومن البداية مفهوم إعادة تصوير المشاهد في السينما إذ ترك الأخوان لوميير نسختين أخريين لخروج العاملين من المصنع ويظهر الخارجون في أحدها بملابس يوم الأحد وهذا يعني أيضا أن هناك عملية تنظيم مسبقة سبقت التصوير.&
أول عرض
أما أول جلسة لعرض أفلام في التاريخ فجرت في الصالون الهندي وهي صالة بليارد في غراند كافيه وتقع في شارع كابوسين، رقم 14، في باريس، ولم يتبق للمكان أي أثر اليوم. جرى العرض في الساعة التاسعة مساءا من يوم 28 كانون أول/ديسمبر عام 1895 وكان رسم الدخول فرنكا واحدا. وعرضت في الجلسة عشرة أفلام مدة أطولها 48 ثانية وأقصرها 38 وكان أولها فلم الخروج من المصنع.
بعد العرض الأول قال جول كلاريتي، مدير المسرح الفرنسي "إنه الواقع كما هو". فيما تحدث ايج جي ويلز عن "آلة تسبر أغوار الزمن".&
ومنذ ذلك اليوم، لم تتوقف الكاميرات ولا جلسات العرض ولا المشاهدة والمتابعة والإنتاج. وخلقت السينما نجوما من جميع الأنواع وفي جميع التخصصات ... وما تزال.
&
التعليقات