أسامة العيسة من القدس: عندما تمكن أفراد الوحدة الإسرائيلية الخاصة المعروفة باسم وحدة دفدفان، يوم الاثنين الماضي 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، من محاصرة لؤي السعدي، قائد الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة العربية، ورفيقه ماجد الأشقر، كان رائد زكارنة بدا في التخطيط لعملية انتقام، وهو

حسن ابو زايد
ما نجح في إخراجها، مساء الأربعاء الماضي، عندما نفذ حسن أبو زايد عملية الخضيرة.
وفجر اليوم الاثنين، تمكنت نفس الوحدة من اغتيال رائد زكارنة ورفيقه مرشد اكميل، بطريقة مشابهة لما حدث لسلفه السعدي، ويعتقد بان شخصا أخر في مكان ما، قد يكون ناشط الجهاد اياد أبو الرب، يعد لعملية انتقام جديدة ردا على اغتيال زكارنة، في فصل جديد من فصول المعركة المحتدمة بين حركة الجهاد وإسرائيل، التي اسماها الصحافي الإسرائيلي اليكس فيشمان في مقال له غداة عملية الخضيرة بـ "رقصة الموت" المستمرة، وبعد اغتيال زكارنة لم يعد معروفا متى ستنتهي هذه الرقصة، خصوصا وان عملية اغتياله جاءت بعد ساعات قليلة من إعلان خالد البطش القيادي في الجهاد الإسلامي التزام حركته بالتهدئة المعلنة على قاعدة التبادلية.
وقال البطش بعد سلسلة اجتماعات عقدتها لجنة متابعة القوى والفصائل في غزة بان الحركة لم تعلن على الإطلاق خروجها من التهدئة.
وأضاف البطش:" لا نفكر بالخروج من التهدئة لكننا نطالب أن تكون متبادلة، وقد جرت اتصالات كثيرة معنا حول قضية إطلاق الصورايخ لكن العدوان الإسرائيلي يدمر كل الجهود".
وكان الصحافيون علموا، منذ وقت مبكر من يوم أمس الأحد، بان حركة الجهاد أعطت تعهدا للسلطة والقوى الأخرى بعدم إطلاق صواريخ محلية الصنع على المستوطنات الإسرائيلية، ولم يكن يدري احد أن كل ذلك سيصبح هباءا بعد ساعات فقط عندما تم اغتيال زكارنة واكميل.
ورغم أن "رقصات الموت" المتواصلة بين الاحتلال والفلسطينيين تواصلت عبر السنوات الخمس الماضية، ولكن "الرقصة" الحالية بين الجهاد وإسرائيل، بدأت منذ نحو عام، خصوصا مع نشاط النواة الصلبة لحركة الجهاد في شمال الضفة الغربية، والتي يقودها شبان وجدوا أنفسهم في مواجهة مع قوة إسرائيلية كبيرة وعاتية، تعمل بهدوء على تصفية مطلوبين لها، رغم الإعلان عن هدنة غير مكتوبة بين الفصائل وإسرائيل في شهر شباط (فبراير) الماضي، وهو نفس الشهر الذي انطلقت فيه رقصة الموت بقوة غر متوقعة بين الجانبين.


المثلث الخطر
عرفت مدن طولكرم-جنين- قلقيلية في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) باسم مثلث الموت أو المثلث الخطر ومن هذه المنطقة خرج قادة الثورة الذي شكلوا تهديدا قويا لسلطة الانتداب البريطاني، وفيها يعيش الان أحفادهم، الذين أكملوا ما بدأه الأجداد مع استمرار الاحتلالات المتعاقبة على فلسطين.
ومبكرا أدرك جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) انه رغم عمليات التوغل الكبيرة في تلك المنطقة والتي توجت بعملية السور الواقي في نيسان (ابريل) 2002 وارتكاب مجزرة جنين، ما زالت توجد نواة صلبة، يقودها لؤي السعدي في طولكرم واياد أبو الرب في جنين، ويختفي أفراد الحركة مع أسحلتهم في المنطقة الريفية بين قباطيا وجنين وطولكرم وجبال طولكرم مثل: صيدا، وعلار وكفر راعي.
وكما أتضح فيما بعد، فان الشاباك أو حتى الأوساط الفلسطينية لم تكن تدرك مدى قوة خلايا الجهاد بقيادة لؤي السعدي إلا عندما نفذ عملية مدوية في نادي (ستيج) في تل أبيب يوم 25 شباط (فبراير) 2005 ردا على قتل وحدات الاحتلال الخاصة، رفاق له.
وحسب التقديرات الفلسطينية، فان السعدي نفذ العملية بدون العودة إلى المستوى السياسي في حركته الذي بدى متفاجئا منها، خصوصا وان توقيع المستوى السياسي على الهدنة لم يجف بعد.
ولكن كانت للسعدي اعتباراته الخاصة، فهو لا يثق بالإسرائيليين وبالتزامهم بأي تعهد كما قال في وصيته فيما بعد، ولم يكن بحاجة لأكثر من عمليات القتل الإسرائيلية والمطاردة في المثلث الخطر ليعرف صدق كلامه حول الهدنة، فاخذ على عاتقه الرد على كل عملية قتل جديدة يرتكبها الإسرائيليون، وبدأت رقصة الموت بأشد مما يتوقع احد بعد عملية (ستيج).


مبارزة حتى الموت
وقسم السعدي العمل بينه وبين اياد أبو الرب، وأوكلت لأبي الرب مسالة اعداد المواد الناسفة، في حين اتخذ قرارا في اوساط هذه الخلايا وهي المجابهة حتى الموت مع أية عملية حصار لهم من قبل وحدة دفدفان، وقتل وجرح ما يستطيعون منها.
وما يميز أفراد هذه الخلايا هي وجود أفرادها في المغر والكهوف ولا ينزلون منها إلا نادرا ولفترات محدودة لا

لؤي السعدي
تتجاوز عدة ساعات، وكانت هذه الفترات المحدودة هي نقاط الضعف التي مكنت الشاباك من الوصول أليهم ومحاصرة المنازل التي يتحصنون فيها، وتكرار نفس السيناريو في كل مرة، يرفضون تسليم أنفسهم ويقاومون حتى الرصاصة الأخيرة، ويتمكنون من جرح أو قتل أفراد من القوة المحاصرة، مثلما حدث في أحدى المرات في قرية صيدا، بمقتل المظلي الإسرائيلي يان تلسنيكوف.
وبدى واضحا أن مقاتلي خلايا الجهاد في هذه المنطقة، أرادوا أن يوصلوا رسائل حتى وهم يموتون، وتهدم الجدران على رؤوسهم، مثل ما حدث مثلا مع مروح كميل، الذي حوصر المنزل الذي يتحصن فيه في بلدة قباطيا، ورفض الاستسلام، وعندما أصيب كتب وصيته بدمه على الجدران المهدمة موجهة إلى ابنيه براء ومجد.
ولكن الرسالة كانت تصل، أيضا، إلى الجمهور الفلسطيني العريض الذي لم يكن يرى على ارض الواقع أية مبادرات من إسرائيل لتحسين الأوضاع على الأرض.
وطلبت إسرائيل من السلطة العمل ضد هذه الخلايا، وأقدمت الأجهزة الأمنية الفلسطينية، على اعتقال عدد منهم، بأوامر من وزير الداخلية اللواء نصر يوسف، ولكن بعض هؤلاء الأفراد تمكن من الهروب من السجن، واغتالته إسرائيل فيما بعد، في حين نقل البعض الأخر إلى سجن أريحا.


مواد بدائية
وتلقت هذه الخلايا عدة ضربات ولكنها لم تكن قاصمة مثل عملية اغتيال محمد أبو خليل في 10 آذار (مارس) 2005 في قرية النزلة الشرقية وتواصلت عمليات الاغتيال، وفي هذه الأثناء كان السعدي يخطط للانتقام، ووصلته العبوات اللازمة من أبي الرب في شهر تموز (يوليو) الماضي، واستطاع إخراج عملية في الثالث عشر من هذا الشهر نفذها احمد أبو خليل في مدينة نتانيا.
والمثير في الأمر ان اياد أبو الرب كان يصنع العبوات من مواد بدائية، ولكنه اكتسب خبرة في جعلها شديدة الفعالية، ومخصصة لمناطق مفتوحة، تحتوي كرات فولاذية ومسامير وهي نفس المواد التي استخدمت في عملية الخضيرة.
ووسعت إسرائيل عملياتها في ضرب حركة الجهاد إلى قطاع غزة واغتالت مساء 25 أيلول (سبتمبر) 2005 محمد الشيخ خليل قائد الجناح العسكري للجهاد في جنوب قطاع غزة، وتم إبلاغ ارئيل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجاح هذه العملية، وهو في مؤتمر لحزب الليكود كان فيه شارون يواجه مؤامرة لعزله يحكيها خصمه بنيامين نتنياهو.
واعتبرت عملية اغتيال الشيخ خليل، رسالة واضحة من الشاباك، أن استمرار عمليات خلايا لؤي السعدي واياد أبو الرب، يعني أن الرد الإسرائيلي سيكون مفتوحا ويطال عناصر رفيعة في حركة الجهاد ورؤوس كبيرة مثل الشيخ خليل الذي كان نجا من عدة عمليات اغتيال سابقة، وأدى الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من غزة إلى أن يظهر في غزة ويوسع من تحركاته.
ووجه الشاباك ضربته الأخرى الكبيرة والاهم باغتيال لؤي السعدي يوم الاثنين الماضي، وبعد الرد في عملية الخضيرة، اغتال مسؤولا رفيعا أخر في الجهاد هو شادي مهنا، قائد الجناح العسكري للجهاد في شمال قطاع

شادي مهنا
غزة، وبدأت ردود الجهاد على شكل صواريخ محلية الصنع تطلق على المستوطنات اليهودية داخل إسرائيل، وعندما مكنت جهود فلسطينية من انتزاع قرار من حركة الجهاد بوقف إطلاق تلك الصواريخ مساء أمس الأحد، كان رجال الشاباك ووحدة دفدفان يصلون إلى قباطيا ويحاصرون منزلا ليكونوا مع مشهد تكرر كثيرا في الأشهر الأخيرة: مناضلو الجهاد داخل المنزل يرفضون الاستسلام، وتبدأ مبارزة جديدة حتى الموت، وكان نتيجة هذا الحدث هذه المرة اغتيال جهاد زكارنة ومرشد اكميل، وهدم المنزل على رأسيهما.
وفي قطاع غزة خرج قادة الجهاد الذين أعلنوا مساء أمس التزامهم بالهدنة، ليعلنوا بعد ساعات وبعد وقوع اغتيال زكارنة أنهم في حل منهم، لتبدأ من جديد رقصة موت جديدة، ولكن رفاق زكارنة، الذين يعملون في المناطق الريفية والجبلية لا يملكون فرصة الظهور إلى العلن ليهددون بالانتقام، ولكن المرجح أنهم يعملون الان وبهدوء للرد بعملية تؤكد بان "رقصة الموت" لن تنتهي قريبا.