يوميات مراسل في مصر المحروسة (1)
التغيير بين حماس الشباب ومخاوف أصحاب العيال!

بهاء حمزة من القاهرة: مهما طالت فترة غيابك عن مصر فانك حين تعود إليها تجد العديد من الأشياء القديمة التي لا تتغير على الإطلاق أو على الأقل لا تشهد تغيرا ملحوظا فالجرائم الغامضة التي لا تجد تفسيرا لا تزال ترتكب في انحاء المحروسة والمشاكل المعيشية لا تزال تتفاقم مقابل قدرة المصريين الرهيبة على الاستمتاع بالحياة وعيشها بالطول والعرض رغم كل المشاكل، إلا أن أهم تغير يمكن ملاحظته في الشارع المصري هو الاهتمام المتزايد من العامة والبسطاء بالسياسة وإحساس الأغلبية الصامتة كما يحلو للمثقفين أن يطلقوا على القطاع العريض من أبناء الشعب المصري بأن هناك حراكا سياسيا يحدث في البلد وانه يحتاج إلى مساهمتهم فيه بشكل أو بآخر وربما هذا الإحساس هو ما جعل سائق التاكسي (لدي اعتقاد راسخ بأن قياس وعي الشعب يجب أن يتم من خلال البسطاء والغلابة وليس من النخب) الذي استقللته في أول أيامي في القاهرة ذات الخمسة وعشرين مليون نسمة يعلق بفخر لافتة على التابلوه الأمامي لسيارته المتواضعة يخص حركة كفاية لوما سألته متعجبا ما إذا كان يعرف بالحركة وما تفعله وأهدافها قال انه يعرف العديد من أعضائها لكن ظروفه لم تسمح له للأسف بالانضمام إليها مشيرا إلى انه فخور بما فعلته الحركة من نشاط في الشارع المصري وانه يعرف الكثير من الشباب زملائه ينضمون أحيانا إلى مظاهرات كفاية، وعندما سألته عن مصلحته من مطالبة الرئيس مبارك بالابتعاد مع انه قد يكون أفضل من غيره قال انه مع التغيير ولو جاء بالشيطان ليحكم مصر لأنه على حد تعبيره quot;روحه طلعت من الناس اللي كاتمين على نفسنا من أول ما أتولدنا ويمكن نموت قبلهم كمانquot;!

لكن في مقابل هذا السائق الثوري هناك آخرين من سائقي سيارات الأجرة يتعاطفون مع الحركة ومع فكرة المطالبة بتغيير نظام الحكم وحتى مع ايمن نور رغم معرفة الجميع بأنه ليس فوق مستوى الشبهات إلا أنهم لا ينوون تحويل تعاطفهم هذا إلى حركة بسبب خوفهم من تبعاته نظرا لأنهم ليسوا واثقين حتى الآن من أن الحكومة لم تعد تملك التنكيل بالمعارضين لها بسبب ثورة الفضائيات وانتفاضة منظمات حقوق الإنسان والاهم من هذا وذاك الرقابة الاميركية المكثفة على النظام المصري، وهؤلاء السائقين يرددون شائعات تسري في بعض دوائر الشعب المصري عن أن المشاركين في مظاهرات كفاية وغيرها يجري عقابهم بشكل أو بآخر والطريف أنني عندما سالت احد سائقي التاكسي عن كيفية عقاب هؤلاء قال أن هناك كاميرات تابعة للأجهزة الأمنية المصرية تراقب تلك المظاهرات من داخل سيارة مصفحة بحيث ترصد وجوه المشاركين في المظاهرة ثم ملاحقتهم والقبض عليهم في بيوتهم بعد ذلك وهو قول رغم عدم منطقيته إلا انه يلقى رواجا واسعا بين سائقي التاكسيات، ويدفع الكثيرين منهم للإحجام عن تأييد الحركات المعارضة الجديدة في الشارع المصري أن فعلا أو حتى قولا إلا بعد الاطمئنان إلى الزبون.


نور البطل
والأمر الذي يلفت الانتباه فعلا في الشارع المصري حاليا الوعي الكبير من كافة فئات الشعب بأحوال السياسة والبلد وتوازنات القوى فيها وهو ما تكشفه مناقشاتهم حول قضية السياسي المعارض ايمن نور رئيس حزب الغد الذي عوقب بالسجن لمدة خمس سنوات لثبوت تزويره في توكيلات الأعضاء المؤسسين للحزب، ورغم أن الكثيرين من أبناء الشعب البسطاء يعرفون أو يدركون دون معلومات أن الأزمة بين نور والسلطة اختلاف فاسدين حول الغنيمة إلا أن هناك موجة واضحة من التعاطف مع السياسي الشاب لاقتناع العديدين أن ما يعانيه الآن سببه تجاسره بالوقوف أمام الرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ولا أنسى ما قاله لي سائق تاكسي عاشر عن أن تزوير التوكيلات موجود منذ تأسيس الحزب وكان يمكن عدم التصريح له من الأساس طالما أن لجنة الأحزاب غير مطمئنة لتفويض الأعضاء المؤسسين له لكن الجميع سكت وانتظر الفرصة للقضاء على نور حالما اثبت انه يمكن أن يشكل خطورة على الريس (حيث أثبتت النتائج أن نور جاء في المركز الثاني بعد الرئيس مبارك متقدما على نعمان جمعة رئيس حزب الوفد وآخرين، هذه المناقشة التي أنهاها السائق بقوله الحكيم (يعني الدولة افتكرت دلوقت الشرف والأمانة لما بقى الرجل خطر على مبارك؟!).

والحقيقة أن نور وقضيته وكفاية وشعاراتها ليسا هما المتغيرين الوحيدين في المجتمع المصري الذي يموج حاليا بدفقات من الحركة تدفع مياها ظلت راكدة لأكثر من عشرين عاما منها بالطبع النجاح الكبير لحركة الأخوان في انتخابات البرلمان المصري الأخيرة وهو أمر وفر حيوية هائلة في الشارع السياسي المصري تنعكس بقوة في المجال الإعلامي من صحف وقنوات بدا أنها تشحذ أسلحتها لمحاربة الأخوان وهو حال الأكثرية أو الدفاع عنهم والدعوة للتعامل معهم بموضوعية وهذه قصة ثالثة إلى جانب التغيير الوزاري الأخير الذي أطاح اثنين من ابرز واشهر الوزراء وهما الشاذلي ومحمد إبراهيم سليمان وكيف تم التمهيد لإطاحة الأول خصوصا ضمن سياسة إبعاد الحرس القديم في الحزب الوطني لصالح تيار المستقبل الذي يقوده جمال مبارك نجل الرئيس المصري واهم شخصية في الوسط السياسي في الوقت الحالي، وكل من هذه القصص تحتاج إلى الحديث عنها بشكل مفصل في حلقات مقبلة.