الجنس الثالث : لاهم رجال ولا هم نساء ولكنهم يصنعون الغواية
مهرجان المثليين والمثليات يجتذب مئة وخمسين الف سائح الى امستردام

صلاح حسن من أمستردام: (عرب وين طنبورة وين ) هذا المثل العراقي ينطبق تماما على هذا الموضوع الذي ستقرأنه الان، ففي الوقت الذي كنا نحاول فيه الكتابة عن المأساة التي تحدث في لبنان والعراق وفلسطين رن الهاتف وطلب منا رئيس قسم التحقيقات في ( ايلاف ) ان نتوجه الى امستردام لاجراء تحقيق عن مهرجان ( الهومو ). يقال عن الصحافة انها مهنة المتاعب وهذا خير مثال عن هذه المتاعب التي قد لا يفكر فيها القارئ ولكننا سوف لا نترك صغيرة ولا كبيرة دون ان نذكرها في هذا التحقيق.
* * *
حينما انطلقنا من لاهاي الى امستردام وجدناهم في محطة الهولند سبور حشودا وهم يرتدون الملابس النسائية. احدهم كان يرتدي بدلة عروس بيضاء اللون بشعره الطويل ويضع ماكياجا كاملا وفي يده يحمل باقة من الورد ويتأبط بيده الاخرى ذراع رجل اخر يرتدي ملابس جلدية سوداء ويعلق في عنقه ويديه الكثير من السلاسل. انه ذاهب ليتزوج من صديقه. كان الازدحام شديدا.. فالجميع متوجه الى امستردام حيث خصصت قطارات اضافية من المدن الكبرى لاهاي وروتردام واوترخت الى امستردام. وكان القطار الدولي الذي يسًير رحلاته بين العواصم الاوربية مكتظا حتى اخر مقعد وهو بطبيعة الحال ذاهب الى امستردام.. الى المهرجان.. ولكن أي مهرجان ؟؟؟
في محطة امستردام كانت الحشود تتجه الى مركز المدينة، ولان اغلب وساط النقل كانت ممتلئة فقد قررنا مثل غيرنا التوجه الى السنتر مشيا على الاقدام خصوصا وان الطقس كان بديعا الى درجة يصعب معها فهم الطبيعة. فقد كان يوم امس يوما ممطرا ومزعجا الى ابعد الحدود واليوم مشرقا ولطيفا وناعما وكأن الطبيعة تريد ان تقول ( رفقا بهؤلاء ) انهم يحتفلون مرة واحدة في السنة. توجهنا حسب نصيحة احد الذين يحضرون هذا المهرجان الى منطقة امستل التي يتفرع فيها القنال الهولندي الى ثلاثة ممرات مائية مشكلا مثلثا فوجدنا حشودا من الناس تحيط بالمكان ولم نستطع ان نرى أي شيء في القنال. حتى المراكب التي تصطف على اطراف القنال كبارات ومطاعم كانت ممتلئة والدخول اليها ليس مجانا. دفعنا الى صاحب المركب الذي سماه صاحبه quot; نيلجا quot; بعض النقود وحصلنا منه على قدح بارد من البيرة سهًل مهمتنا كثيرا. كانت المراكب التي تأتي من منطقة quot; دن هلدر quot; محملة بالرجال الذين يرتدون ملابس نسائية خليعة وهم يغنون ويرقصون كما لو انهم وحدهم في هذا العالم. لقد كانوا على هيئة فرق لانهم كانوا يرتدون نوعا واحدا من الملابس وذا لون واحد ايضا. المركب الاول جاء يتهادى على ايقاع الموسيقى الهولندية والرجال كانوا يرتدون ملابس وردية شفافة وبعضهم كان يضع شعرا مستعارا طويلا. القسم الكبير من هؤلاء كان يظهر مؤخرته للجماهير التي كانت تكافئه بالتصفيق الحار.
اما المركب الثاني فقد كان خليطا من الرجال والنساء وقد حاولنا بذل كل ما نملك من خبرة مع النساء من اجل معرفة من هو الرجل منهم ومن المرأة ولكن باءت محاولاتنا بالفشل فأضطررنا الى سؤال احدى الشابات التي تجلس الى جوارنا فقالت : الذين لديهم مؤخرات صغيرة هم من الرجال وكذلك الذين لديهم سيقان نحيفة والذين رتدون الجوارب الشفافة.. هؤلاء كلهم رجال. لقد كانت معلوماتها دقيقة للغاية. ومن اجل ان نتابع مشروعنا الصحفي وان نقدم للقارئ الحقيقة فقد بدأنا نحدق بكل مؤخرة تمر من امامنا وقد رأينا الكثير منها.
المركب الثالث كان مثل مركب رامبو السكران، اذ ان الذين كانوا على متنه كانوا لا يرتدون سوى المريلات تلك التي تستخدم في المطابخ.. وعندما كان المركب يستدير في طريقه الى النهاية كانت مؤخراتهم تظهر وكان قسم منهم يخلع المريلة ويلوح بها ( كما خلقتني ) والسرور باد عليه. فجأة ارتفع الصراخ وبدأ الجمهور يلوح بيديه وهو يشير الى احد المراكب الذي بدأ يقترب.. لقد كان على ظهر المركب المطرب المشهور خيرارد يولنك ومقدم البرامج المعروف هانس كلوك وهما من الهومو المشهورين في هولندا. وقد لا يصدق القارئ العربي اذا قلنا ان نصف نجوم هولندا وفي كل المجالات هم من الهومو حتى في الرياضة وملاعب كرة القدم.
قبل ان نغادر الى مكان اخر ظهر مركب جديد ولكن الغريب في هذا المركب ان كل الذين كانوا على متنه كانوا يرتدون الملابس الرسمية ويضعون اشارة بنك quot; اب ن امرو quot; وهو اكبر البنوك في هولندا مع صورة كبيرة للرسام العظيم رامبرانت التي تحتفل هولندا بذكراه الاربعمئة. ان هذا المهرجان ليس quot; للاحباء quot; وليس من اجل حريتهم فقط ولكن لتنشيط السياحة واحياء الاقتصاد. الفتاة التي كانت تجلس الى جوارنا لاحظت اننا ندون ملاحظاتنا بالعربية قالت : الكتابة بالعربية مثيرة، فقلنا لها نسألها عن المهرجان، عن رأيها فقالت : الجو اليوم مدهش كما ترى والمهرجان مناسبة للمرح.. انا لست ضد هؤلاء الناس وما اراه الان يجعلني اضحك كثيرا، اضحك لانني اراهم يرتدون ملابسنا ويقلدون حركاتنا.
في الطريق الى المكان الذي سيتجمهر فيه هؤلاء الاحباء صادفنا الكثير من الهومو الاتراك والايرانيين وحتى العرب ولكنهم لم يكونوا يرتدون الملابس النسائية الخليعة ولم يضعوا ماكياجا، بل اكتفوا بتعليق الاقراط في اذانهم دون ان يتخلوا عن حركاتهم المغناجة الفاضحة. التقينا احدهم وهو يسير معلقا حقيبته النسائية في ذراعه ويرتدي تنورة قصيرة للغاية والفرح والسرور باد على محياه وسألناه عن احساسه في هذا اليوم الذي يشبه العيد فقال بلغة اقرب الى الهيام وبصوت ناعم : الجو جميل جدا وانا كما ترى سعيد.. كل هؤلاء الناس الرائعين جاءوا لكي يقتربوا منا من اجل ان يفهمونا.. أليس هذا رائعا ؟؟ ثم تركنا وهو يسير بخطوات قصيرة كأنه مراهقة في السادسة عشرة. الهومو الاخر الذي قابلناه جعلنا نتوقف عن اجراء اللقاءات، بل جعلنا نهرب ونعود الى لاهاي قبل ان يحدث ما لا تحمد عقباه... لقد كان شابا وسيما للغاية ويضع ماكياجا كثيفا وبدا كما لو انه فتاة في العشرين حين سألناه عن مشاعره بدأ يتلوى بصوته الرقيق الفاتن وصدره الكبير المترع بالحنين وقال كأنه يهمس : انا سعيد اليوم لاني سأقدم مجموعة من الاغاني والرقصات.. وكان وهو يتحدث يرفع تنورته الى الاعلى ويحرك شعره الى درجة الاغواء فقلنا ( اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) وهربنا الى الطريق المستقيم.