فواكهها وخضرواتها تجلب من الكاريبي والسعودية

صلاح حسن من لاهاي: العرب يسمونها سوق اليهود والعراقيون يسمونها سوق السبت والمغاربة سوق الخضرة والاتراك البازار... انها سوق لاهاي ( دنهاخ ) اكبر الاسواق في اوربا كلها. تأسست هذه السوق عام 1938 في غرب المدينة ونظرا للتوسع السريع والنجاح الاقتصادي تقرر نقلها الى وسط المدينة الذي يعج الان بالجاليات الاجنبية خصوصا التركية والمغربية. تفتح السوق ابوابها في ايام الاثنين والاربعاء والجمعة والسبت. ويبلغ عدد المتسوقين في الايام العادية اربعين الف متسوق، يرتفع هذا العدد الى الخمسين الفا في ايام الجمع والسبوت ( جمع سبت ).


تنقسم السوق الى عدة اقسام منها قسم للخضروات والفواكه والاسماك واللحوم والاجبان ومشتقاتها والملابس والاحذية وقسم خاص بالادوات المستعملة ( سكند هاند ) وهي كهربائية واثاث وملابس وقسم يختص بالزهور واشجار الظل والزينة واخر للمنظفات. تحتوي السوق على انواع واصناف من الفواكه والخضروات من كل انحاء العالم تقريبا وهناك بعض الخضروات العجيبة للغاية قال لنا البقال انها تحضر من حوض الكاريبي. اما الفواكه التي تزيد على المئة صنف فتحضر من مناطق عديدة من العالم. فعلا سبيل المثال توجد اربعة انواع من التمور العربية في هذه السوق هي التونسية والسعودية والمصرية والعراقية. اما البهارات والمخللات فحدث ولا حرج، وقد يتساءل المرء من اين جاء ( طرشي النجف ) الى لاهاي؟!


تأسست اول سوق في لاهاي ( دنهاخ ) في القرن الثالث عشر وكانت سوقا خاصة باللحوم. وبعد قرن من ذلك الزمن افتتحت سوق جديدة في الخامس والعشرين من نوفمبر حيث صادف عيد القديسة كاترينا. وكانت هذه السوق عبارة عن مجموعة من العربات المتنقلة التي تتخذ لها اماكن معينة من شارع ( برنسس خراخت ) الى الغرب من المدينة. وكانت لهذه العربات ما يشبه الابواب الكبيرة، اذ يقوم صاحب العربة بفتح احدى هذه الابواب ويعرض بضاعته على الناس. وبعد ان تنتهي فترة العمل في السوق وغالبا ما تكون في السادسة مساء، يغلق اصحاب العربات ابوابهم ويعودون الى بيوتهم.. وهكذا كل يوم.
من يدخل سوق لاهاي اول مرة سيصاب بالدوار ولن يستطيع الخروج من هذه المتاهة الا وهو حائر. ومن يريد ان يشتري بضاعة معينة سيكتشف انه اشترى اشياء اخرى اضافية دون ان يخطط لذلك، اذ كثيرا ما يتذكر المتبضع بعض الاشياء الناقصة في البيت وهو يتجول في السوق التي تعرض كل شيء تقريبا ما عدا السيارات. !! وقد يتوقف وقد انهكته البضائع الكثيرة التي يحملها قرب مطعم الشاورما التركي لتناول سندويج، او قرب بائعة السمك الشقراء لتناول سمكة جاهزة مع البهارات والطرشي.


قبل عشر سنوات لم تكن السوق مثلما هي عليه الان فقد بدأ عدد الزوار الهولنديين بالتضاؤل في حين زاد عدد الزوار الاجانب بنسبة كبيرة. من يتجول اليوم في هذه السوق سيسمع العديد من اللغات، واللغة الاولى بطبيعة الحال هي الهولندية ثم التركية والعربية والانكليزية واحيانا الالمانية او الفرنسية. السبب الرئيسي الذي جعل الهولنديين يحجمون عن زيارة السوق خصوصا كبار السن هو ان الاجانب ويقصدون بذلك الاتراك والمغاربة يجلبون معهم اطفالهم بعربات كثيرة تخنق الممرات وتسد المنافذ. وهذه الحقيقة بدأت تزعج الاخرين، فكثيرا ما تقف امرأتان في منتصف الطريق ويأخذن بالحوار دون ادنى شعور بالزحام الشديد بينما الاطفال يبكون او يهربون من امهاتهم المجللات بأزيائهن التقليدية وكأنهن في احدى قرى ادنة في تركيا او الصويرة في اقصى المغرب.

( ايلاف ) اختارت عينة من الزوار وسألتهم عن السبب الذي يجعلهم يتوجهون الى هذه السوق فكانت اجاباتهم متباينة ولكنها في النهاية اجمعت على ان هذه السوق هي الاكبر والارخص في اوربا كلها ويوجد فيها ما لا تجده في الكثير من الاسواق العالمية.
اصدقاء عراقيون من المانيا وبالتحديد من كولن يزورون هذه السوق بين فترة واخرى قالوا : نحن نأتي من اجل ان نحصل على الباميا الطازجة والبرغل والطرشي والبهارات وورق العنب لصناعة الدولمة والتمور احيانا فهذه كلها غير موجودة في المانيا. احد هؤلاء الاصدقاء لم يتوقف عن القول ( خير من الله ) وظل يرددها وهو يقلب بصره بالخضروات المرتبة بشكل انيق في الصناديق. شاب هولندي كان يبحث عن جهاز تسجيل صغير من النوع الذي يوضع في الجيب قال : غدا عيد ميلاد صديقتي وطلبت مني ان تكون الهدية مسجلا صغيرا وقد سألت عن سعره في بعض المحلات في سنتر المدينة فكان ضعف سعره هنا في سوق لاهاي لذلك جئت الى هنا لاشتريه. رجل هولندي كبير السن قال : انا اسكن بالقرب من السوق ومنذ عشرين عاما وانا اتسوق منه حتى ان لدي بعض الصداقات مع اصحاب المحلات، الان لم اعد استمتع بالتجول في السوق بسبب الازدحام والفوضى لا اعرف لماذا تجلب النساء معهن الاطفال الرضع والعربات التي تزيد من الازدحام.. ولكنه اردف : ارجو المعذرة هذه ليست عنصرية ولكن على الاخرين ان يتعلموا ان السوق ليست مكانا لتجاذب اطراف الحديث وهناك مقاه يمكن ان يتوقف المرء عندها ويثرثر ما يشاء. هذا الرجل على حق لاننا اردنا ان نخرج من السوق بسبب الازدحام الفظيع.


نريد ان نختتم هذا التحقيق بحوار سريع جدا مع احد العراقيين الذي يزور السوق قبل ان يغلق بساعة عندما يخف الازدحام ( لديه نظرية اقتصادية كما يقول ) وقالنا له : هل تأتي الى السوق لانك تكره الازدحام ؟ فقال : لا.. في مثل هذه الساعة ينخفض سعر البضاعة الى النصف لان السوق توشك على الاغلاق مما يدفع الباعة الى التخلص من بضاعتهم وانا استثمر هذه الساعة لاشتري كل ما اريد بنصف السعر واحيانا ارخص من ذلك.
المعروف ان الجالية العراقية في هولندا هي من افقر الجاليات رغم العدد الكبير من المثقفين والفنانين العراقيين الذين يعيشون هناك. اتذكر الان قول احد الاصدقاء الذي ظل عاطلا عن العمل فترة طويلة وهو يقول : هل تريدني في اخر عمري ان اشتغل ( بكالا ) بقالا وقد اصدرت حتى الان اربعة دواوين شعرية وصديقي عبد الوهاب البياتي ؟؟!