محمّد رجب السّامرائي من ابو ظبي:تكاد أن تتشابه احتفالات شهر رمضان الفضيل وعيد الفطر السعيد في عموم الدول العربية والإسلامية، لكنّها تختلف من دولة لأخرى في بعض تفاصيل من جوانب الحياة الاجتماعية في أصناف طعام الفطور والسحور وفي العادات والتقاليد لاستقبال الشهر الكريم.
وهذه وقفة خاصة فيquot; إيلافquot; للتعرف على أيام وليالي رمضان والعيد في دول الخليج والجزيرة العربية:quot; الإمارات، السعودية، قطر، البحرين، الكويت، عُمان، العراق، اليمنquot;.


الإمـارات: المجالس والفنون الشعبية
تزدهر في دولة الإمارات العربية خلال شهر رمضان موائد الإفطار الجماعي في الفريج الواحد ndash; الحيّ ndash; وكانت النساء في الإمارات يتهيأن لشهر رمضان من شهر شعبان عبر التجمع في البيوت كل يوم في بيت إحدى الجارات للقيام بطحن الحب لأعداد الهريس. وكانت العادة الرمضانية القديمة هي تبادل وجبات الإفطار بين البيوت قبيل إطلاق المدفع وحتى لا يكون الطعام بارداً عند الفطور وكانت النساء يخرجنّ لأداء صلاة التراويح في المساجد، مع تأكيد الأهل على أطفالهم بتعويدهم على الصيام والالتزام بمواعيد الصلوات الخمسة وخروجهم لصلاة العيد مع آبائهم.
أما الرجال فغالباً ما يجتمعون بعد أدائهم لصلاة العشاء والتراويح في المجلس الذي نراه منتشراً بصورة واسعة في دول الخليج العربي وتعرف باسم مجلس أو ديوانية، وكانت للميالس - المجالس- في الإمارات نكهتها التي لا تنسى من ذاكرة الناس بعد أن شهدوها وفق الطريقة المعينة في أيام الصيام.
وشهر رمضان الكريم شهر العبادات والصلوات، وتتضاعف فيه الزيارات العائلية حيث تمتد السهرات والجلسات فيه حتى أذان الفجر عقب انتهاء فترة السحور حيث كان المسحراتي يتجول في الطرقات ويدق بطبله وهو يردد بصوته المسموع:
اصحى يانايم
وأذكر ربّك الدايم
وتكثر الحكايات وسرد السوالف والذكريات عن السنين الماضية ولهذا فإنّ المجالس في الإمارات لم تكن تقفل أبوابها سابقاً، إذ تبقى مُشرعة حتى طلوع الفجر. وغالباً ما كانت المجالس الكبيرة مكاناً يتناول فيها الحضور الأحاديث الثنائية بين الجالسين، وتقدم لهم في المجلس القهوة العربية الشاي، إضافة إلى الهريس الذي يقدم طيلة الشهر الكريم، فهو طبق لكل وقت وليس خاصاً برمضان.
وتكاد أن تتشابه صورة العيد في دول الخليج العربي إذ لا تختلف إلاّ في تفاصيل دقيقة، فأوّل ما يهتم به الناس هنا صلاة العيد في الأماكن المفتوحة.. ثم العودة إلى المنازل وتهيئة الأهل، لاستقبال المهنئين، وغالباً ما تبدأ زيارة الأقارب والأرحام خاصة بعد الظهر إذا كانوا يقيمون بعيداً أو في أماكن أو مدن أخرى، لكنّ هناك طقوساً معينة تبدأ فيها الاستعدادات للعيد قبل وصوله، ويختلف الأمر في القرى عن المدن. ومن الأناشيد والأهازيج الشعبية التي يتم ترديدها من قبل الأطفال وهم يلهون في المريحان:
أمي يامي يامايه راعي البحر ماباه
أبا وليد عمـي بخنجره واراداه
قابض خطام الصفرا وملوِّح بعصاه
عمتي مرت أبويه الله يسلّط عليها
يوم يتها الهدية خشتها في الزويّة


السعودية: حلقات الدروس
تنفرد المملكة العربية السعودية بتوجه قلوب المسلمين لها في كل يوم لأداء فروض الصلاة وأداء فريضة الحج المباركة والعمُرة في الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. ومع أذان المغرب تُفْرَش موائد الإفطار في الحرمين المكي والمدني، ويتسابق القائمون عليها لجذب المسلمين ليجلسوا لتناول طعام الإفطار.
وتتعطل المدارس في السعودية في شهر رمضان، ويزيد المساجد عُمّارها من عباد الله، إضافة إلى إقامة حلقات الدروس الدينية، والاجتهاد في إحياء ليلة القدر المباركة في عموم المدن والقرى فيها. ولا يتخلى السعوديون عن طبقهم اليومي المشهور الكبسة، ولكن يفضله البعض طعاماً لسحورهم كوجبة يتناولونها مع السلطة واللبن.
ويمتلئ الحرم المكيّ الشريف مع دخول ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان بملايين المصلين الذين يأتون من كل فج عميق، ويقطعون المسافات الطويلة وينفقون الأموال الطائلة، لكي يفوزوا بقضاء الليالي العشر الأواخر من شهر الصيام ؛ التماسًا لليلة القدر المباركة.
ويرتدي أطفال المنطقة الشرقية أجمل ثيابهم ويخرجون في مجموعات يحملون أكياساً خاصة يعلقونها في أعناقهم ويطوفون على بيوت الجيران، ويوزع عليهم الأهالي المُكسرات، ويرددون هذه الأغنية:
قرقع قرقع قرقيعان أم قصير ورمضـان
عُطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكـم
ويلحفكم بالجَاعِد عن المطر والرعـد
عام عام يا صيام جعلكم تُصومونه بالتمام


قطر: طحن الحبوب والنافلة
يستعد القطريون لاستقبال شهر رمضان منذ النصف الثاني من شهر شعبان الذي يشهد - النافلة - وهي من العادات التي يمارسها الأطفال وتشبه ndash; الكرنكعو- التي يمارسونها في منتصف شهر الصيام.
ومن عادات القطريين في شهر الصيام قيامهم باحتفالات دق وطحن الحبوب التي تُعدّ من الظواهر الثقافية الاجتماعية الموسمية العميقة الجذور عندهم.
ويتميز ليل رمضان في قطر عقب صلاة العشاء والتراويح بعقد الجلسات الرمضانية، وتشمل مجلسين واحد للرجال والثاني خاص بالنساء يقدم فيهما الحلوى والشاي والقهوة العربية يتبادل في هذين المجلسين الرجال والنساء الأحاديث الدينية والثقافية والحياة العامة.
أما الاستعدادات لعيد الفطر السعيد فعادة ما تُمارس في قطر بالمائدة الصباحية ليجتمع عليها ما يقرب من خمسين شخصاً من أفراد الأسرة بعد أن يزور الرجال على الأقارب والأصدقاء عقب صلاة العيد وليجتمعوا على هذه المائدة العامرة لتناول فطور أول أيام العيد. ثم يقوم الأطفال بالتردد على بيوت الجيران والأقارب للاحتفال بالنافلة وليأخذوا العيدية من أهليهم وأقاربهم.

البحريـــن: الهريـــس وقدوع العيد
ترتبط بشهر رمضان عادات أصيلة للأطفال في البحرين لـيوم الكرنكعوه، الذي يحتفلون به في اليوم الرابع عشر أو النصف من شهر شعبان ابتهاجاً استقبال شهر رمضان حيث يرتدي الأطفال الملابس التقليدية مثل الدرّاعة ويذهبون إلى الأهل والأقارب والجيران وهم يرددون أناشيد معينة ويدقون على الأبواب ليحصلوا من خلال تجوالهم على بعض الحلويات والمُكسرات، ويغني الأطفال قبل الدخول إلى المنزل:


عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم
يامكة يالمعمورة يا أم السلاسل والذهب يانورة
وبعد دخولهم إلى المنزل يغنون وهم يذكرون اسم أصحاب الدار قائلين:
لولا فلان ماجينا يُفك الكِيس ويعطينا
الله يخليه لأُمـه
ويلحفها بالساحه من المُطر وسِياحَه
إنّ دقّ الحَبْ مهمة تستعد لها النساء مبكراً في مملكة البحرين لصنع الهريس وكذلك كانت حرفة quot; صفار القدور quot; من الحرف الشعبية القديمة التي ترتبط بالشهر المبارك.
وللمجالس الرمضانية نصيب في البحرين ففيها يجتمع رجال الأسرة والأصدقاء والمعارف لمناقشة وطرح العديد من القضايا الخاصة والعامة. ويستعد البحرينيون في الأسبوع الأخير من شهر رمضان لاستقبال عيد الفطر بالملابس الجديدة وصناعة الحلوى لتقديمها لضيوفهم ليلة العيد المبارك. أما حلوى القدوع فتنصب في الساعة العاشرة صباحاً وهي عادة بحرينية تقوم بها الأُسر بدلاً من الغذاء. في حين يطوف الأطفال من بيت إلى آخر في الفريج- الحيّ- ويؤدون بصوت واحد:
عيدكم مبارك..
عساكم من عوّاده

الكويت: الديوانيات والكَركَيعان والدَوارف
تتزين المآذن والمساجد في بدء الإعلان عن قدوم شهر رمضان في الكويت، ويلاحظ وجود انتشار الفوانيس في العديد من المناطق والأحياء المختلفة التي تعمل بالطاقة الكهربائية أو بالشموع. وللديوانية طعمها الخاص في الكويت وتستمر طوال العام، ولكن في أيام مخصصة من الأسبوع، لكنها تُمارس مساء كل يوم رمضانيّ بعد صلاتيّ العشاء والتراويح الخاصة.
أما لعبة الكَركَيعان فهي من العادات والتقاليد المتوارثة عند أطفال الكويت فهم يحتفلون بها ويمارسونها في ليالي الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من رمضان، ويقوم أصحاب الدكاكين بخلط المُكسرات مع النخي والنقل والسبال والبيذان والجوز والتين المُجفف وتُعرف هذه المُكسرات بكَركَيعان، أي الشيء المخلوط والمُتعدد الأصناف.
ويطوف الأطفال على منازل الحي حاملين الأكياس والطبول والطاسات وغالباً ما يتنكرون بملابس الغاصة السوداء، أو وضع اللحى أو الشوارب لجلب الانتباه ويردد الأولاد أنشودة خاصة بهم عن البنات كقولهم:
سَلّم ولدهم يا الله
خَلّه لأمّه يا الله
وحين يأزف رمضان على الانتهاء يقوم أبو طبيلة بتوديع شهر القرآن مُردداً بلحن يشوبه الألم والفراق:
الوداع الوداع
يا رمضان
وعليك السلام شهر الصيام
وكما تتشابه صور العيد في دول الخليج العربي، فيتغنى الأطفال في الكويت قبل حلول العيد مرددين بصوت واحد:
باجر العيد ونذبح ابكَرة
وننادي مسعود جْبِير الخُنْفَرَة.

عُمـان: الفطور بالفريــج وقرنقشوه والمظبي
بعد أول يوم رمضاني تتبادل العوائل الزيارات الرمضانية، فيفطرون يوما في بيت الأخ وفي اليوم الثاني عند الأخت وهكذا. وتقام المجالس الرجالية الخاصة إثر عودتهم من الصلاة التي يحضرها الأصدقاء ويتبادلون خلالها القصص والأحاديث والسير، وينهض العُمانيون وقت السحور لتناول طعامهم خاصة في القرى العمانية على صيحة الديك الأولى، ويأكلون اللحم والأرز مع شرب الشاي والقهوة.
وتحرص النساء في رمضان على أداء صلاتي العشاء والتراويح في فروع الجمعيات النسائية حاملات معهنّ أطباق الحلوى الشعبية لتناولها إثر الانتهاء من الصلاة، ويماثل احتفالات الأطفال بليلة القرنقعو في المدن الخليجية الأخرى. ونجد الأطفال في القرنقشوه يدورون في شوارع الحيّ وينتقلون من دار إلى دار يتوقفون أمامها ويغنون طالبين الحلوى وهم يضربون إيقاعاً بسيطاً على عبارة:
قرنقشوه قرنقشوه
أعطونا شيء حلواه
لعيد الفطر في عُمان عادات مستمدة من الماضي ومنها تهيئة الناس له لأعداد الحلقة أو الهبطة التي يقيمونها في العشر الأواخر من رمضان ويقيمونها في كل ولاية أو بلدة. ويُعد طبق المظبي من الأطباق المعروفة التي يُقدمها العُمانيون في أول وثاني ويترك حتى ظهر اليوم الثالث من أيام عيد الفطر.

العراق: المَاجِينَة والكِلِيْجَة ودواليب الهواء
يبدو رمضان في العراق قبل قدومه بأيام عديدة، فتكون الحركة غير اعتيادية في الأسواق والمحلات. ويُعد سوق الشورجة القديم في قلب العاصمة بغداد أكبر سوق تجاري في العراق حيث يشهد إقبال الناس عليه من كل مدن ومحافظات العراق ليتبضعوا ويشتروا لوازم شهر الصيام من مواد تموينية.
وتحرص العوائل العراقية على أن يذهب الأب مع أولاده إلى المسجد القريب من سكناهم، وهم يحملون صينية مليئة بالطعام لتوضع على مناضد في حديقة المسجد، لتفطير الصائمين.
لقد مارس العراقيون منذ عهود طويلة لعبتيّ المحيبس والصينية التي اشتهرت قبل عقود في أغلب المدن والمحافظات، والمحيبس هو تصغير محبس أي خاتم اليد، ولهذه اللعبة الشعبية لها جذور المتوارثة من جيل الأجداد الذين كانوا يحرصون على الاجتماع في بيت معين بعد تأديتهم لصلاة التراويح، ثم يبدأون بممارستها ويقضون وقتاً للتسلية. أما لعبة الصينية تتطلب وجود صينية وفناجين نحاسية وتوضع الشيرة - السكر المذاب - في القاعدة الدائرية لها لغرض تثبيت الفناجين بالمقلوب.
ومن العادات التي يحرص الأولاد على ترديدها في ليالي رمضان الكريم، هي quot;الماجينةquot;، وهي لعبة غنائية مختلطة، يمارسها أطفال من سن 8-12 سنة. وتبدأ منذ منتصف شهر شعبان. وتقوم مجموعة من الأطفال وعقب تناول طعام الإفطار بالتجمع في الأحياء، ويحمل أكبرهم عُمراً كيساً من القماش، ليدور مع زملائه على بيوت الحي أو الطرف، ويبدأ أحد الأطفال بطرق أحد أبواب الجيران، وينشدون مع الآخرين بصوت واحد:
quot;ماجينة ياماجينة
حلُّوا الجِيس وأنطونه
تنطونه لو ننطيكم
بيت مكة أنوديكـم
هاي مكة المعمورة
مبنيّة إبجص ونورة
وتبدأ الاحتفالات بعيد الفطر في العراق في الساحات العامة التي يتمّ فيها تنصيب المراجيح ودواليب الهواء والفرارات وتهيئتها لركوب الأطفال الذين يقبلون عليها طيلة أيام العيد. وتقوم النساء بتهيئة وعمل الكِلِيْجَة، أي المعمول كما يُسمى في بعض الدول العربية. وتتم الزيارات العائلية عقب تناول فطور صباح الأول من أيام عيد الفطر، ويحصل الأطفال على العيدية خلال هذه الزيارات من الأب أولاً ومن الأخ الأكبر، ومن الجد والأعمام والأخوال والأقارب الآخرين. بعدها ينطلق الصغار إلى ساحات الألعاب لركوب دواليب الهواء والمراجيح والفرارات ولشراء بعض الألعاب.

اليمن: التماسي والاستعداد للعيد
يجلس الصائمون عند أذان المغرب على هيئة حلقات حول موائد الفطور ليتناولوا الطعام المُكَوَّن من التمور، والسمبوسة، والباجية، والحامضة وبعد انقضاء اليوم العاشر من رمضان يبدأ اليمنيون إحياء ليال تنافسية في إلقاء الشعر، وأداء الرقصات الشعبية وارتداء الأقنعة على الوجه. كذلك يحرصون خلال الشهر الكريم للاحتفال بالراغبين في الزواج ليلة العشرين من رمضان.
ولعلّ أبرز مظاهر رمضان في اليمن التماسي التي كان الأطفال يتهيأون لأدائها من أواخر شعبان وينتظرون بهجة التماسي التي يكسبون بها مقادير قليلة من النقود، وكان شعر التماسي وأداؤه مختلفاً عن الأهازيج لأنّ ذلك الأداء هو نشيد الطفولة إذ لا تؤديه إلاّ مجاميع من الأطفال الذين يجتمعون حول بيوتهم في الأسبوع الأول يرددون التماسي الخاصة بالأدعية لآبائهم:
يا رمضان يا بو الحمائم
أدي لأبي قرعة دراهـم
يا رمضان يا بو المدافع
أدي لنا مخزن بضائـع
تبدأ تقاليد اليمنيين باستقبال العيد قبل عشرة أيام، ومن تلك المظاهر انشغال الصغار والكبار بجمع الحطب ووضعه على هيئة أكوام عالية، ليتم حرقها ليلة العيد تعبيراً عن فرحتهم بقدوم عيد الفطر السعيد وحزناً على فراق أيام رمضان المباركة.
ويقوم الرجال بشراء المستلزمات والحاجات الضرورية للعيد من المحلات التي تبقى مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل. بينما تسهر النساء ليلة العيد حتى الصباح ليهيئن بعض المأكولات التي ستقدم في صباح العيد للضيوف مثل الكعك، وهو غير الكعك المعروف عندنا.
وعندما يعود ربّ الأسرة بعد أداء الصلاة في المسجد، تستقبله الزوجة والأبناء وهم في أجمل زينة وهيئة، فالزوجة تبدأ بتهنئة زوجها، ثم يأتي دور الأبناء للتهنئة واحداً بعد الآخر، ليقبلوا أباهُم - وعادة أهل صنعاء أن يقبلوا رُكبَة أبيهم- ويقدم الوالد هدية العيد لأبنائه وتعرف بعسيب العيد، ويتناولون الفطور ويخرجون لمعايدة الأقارب والجيران.

كاتب وصحفي عراقي مقيم في الإمارات
[email protected]