خسرو علي أكبر من باريس: بعد انقطاع دام أكثر من عشرين عاما، عادت گوگوش لتتربع على عرش موسيقى البوب الايراني بموهبتها الفذة وأدائها المميز، إذ لم تعرف الموسيقى الايرانية صوتا حميميا وساحرا قادرا على تجسيد الكلمة والايقاع يضاهي صوت گوگوش،وقد برهنت ملكة البوب الايراني في الحفلات التي أحيتها في دبي ولوس انجلس وطاجيكستان ودول اخرى انها الصوت العذب الخالد في ذاكرة الناطقين بالفارسية في جميع ارجاء العالم.


كَوكَوش
صوت استثنائي في موسيقى البوب الايرانية،لا تكمن خصوصيتها في صوتها العذب فحسب وانما في مهارتها العالية في استلهام روح الكلمة وفي انسجامها وتوافقها المذهل مع الفرقة الموسيقية والات العزف.
ولدت گوگوش واسمها الحقيقي فائقة آتشين في جنوب طهران عام 1951، وعانت في طفولتها من فقدان الحنان الامومي بسبب انفصالها عن والدتها، ويعتقد البعض انها من عائلة آذرية وفدت الى ايران من احدى الجمهوريات المسلمة في الاتحاد السوفياتي السابق،فيما يرى آخرون أنها تنحدر من عائلة ايرانية كانت تعيش في مدينة تبريز ذات الأغلبية الآذرية.


عاشت مع والدها في طهران ورافقته منذ الثانية من عمرها في كابريهات العاصمة حيث كان يقدم العابا اكروباتيكية، وقد لفتت الأنظار اليها حينما قدمت أغان لمطربين كبار وهي في الثالثة من العمر، مما دفع اصحاب الكابريهات الى دفع أجر مضاعف لوالدها مقابل تقديم وصلات غنائية :quot;في أول حضور لي على خشبة المسرح كنت اتمنى أن أتوقف عن الغناء وأن أهرب الى مكان منعزل بعد أن سيطر الخجل علي، نظرات أبي الصارمة حالت دون ذلك، وقد هربت من المكان فور انتهائي من تقديم اغان معروفة تاركة الجمهور يصفق بحفاوة ودهشةquot;.


سافرت مع والدها في الثامنة من عمرها الى احدى دول الخليج الفارسي لتقديم حفلات غنائية، وقد حظيت باهتمام حاكم الامارة الذي اقترح على والدها أن يبيعها له.
و گوگوش اسم أرمني يطلق على الرجال اختارته فائقة لنفسها من باب الاعجاب بجمالية الاسم.
قدمت في طفولتها عددا الأغاني والأناشيد في الاذاعة والتلفاز الايراني وكان صوتها الدافئ ووجها الطفولي البرئ محط أنظار واهتمام الآخرين.


وقد تخطت شهرتها الحدود في ايام شبابها وتحولت الى نجمة لها الاف المعجبين في افغانستان وطاجيكستان والعراق ودول عربية في الخليج الفارسي.ولعل العامل المهم الذي ساهم في هذه الشهرة هو عملها مع فرقة طنين أهم الفرق الموسيقية التي تأسست في ستينات القرن المنصرم أي العقد الزمني الذي شهد ظهورموسيقى البوب في ايران،ومحاولاته لترسيخ مكانة له في مجتمع محافظ، من جهة،ومواجهة وسط ثقاقي وفني يدار من قبل اساتذة الفن التقليدي.


مع فرقة طنين حطمت گوگوش المناخ الموسيقي الراكد وشيدت جسورا نحو الشباب الايراني المتطلع الى التغيير والتحديث.لقد كان اقبال الشباب الايراني على أغاني گوگوش كبيرا الى حد فرض على القيمين على المؤسسات الفنية في ايران ان تعترف بهذا الشكل الفني الحديث،كما شجع من ناحية اخرى فرق البوب الايراني على المضي في مشوارها الفني.


بعد انتصار الثورة الايرانية ستعود گوگوش من اميركا الى ايران رغم المحاذير بسبب تدهور الوضع الأمني والأزمة السياسية التي مرت بها البلاد والمضايقات التي تعرض لها عدد من المطربين والمطربات من قبل السلطات الايرانية،وهي خطوة شجاعة وجريئة برهنت على مدى ايمانها بفنها،وبعد أكثر من عقدين من الانقطاع،أحيت گوگوش عشرات الحفلات الرائعة خارج ايران بعد ان حصلت على موافقة السلطات الايرانية في العهد الخاتمي بالسفر الى خارج ايران،وفي هاتين الخطوتين تنفرد ملكة البوب الايراني عن مطربين آثروا عدم العودة الى ايران بعد الثورة والاقامة الدائمة في المنفى الاختياري، وعن مطربين هربوا من ايران بطرق غير قانونية،quot;عدتُ وقلت كلمتي ودافعت عن فني، وخرجت من ايران دون أن أتنكر بصوف الماعز،في ايران تحاول الجمهورية الاسلامية أن تنفذ رؤيتها للفن ولكن الملكيين في خارج ايران يفرضون رؤيتهم ومزاجهم وشروطهم على الفنانيينquot;.


في حوار مع عازف الة الجوزة ومؤسس فرقة المقام العراق الأستاذ محمد حسين كمر،اشار الى اعجاب الوسط الفني في العراق بگوگوشquot;كنت أشرف على تدريب مجموعة من الشباب على الأداء الصوتي في اعدادية التجارة المركزية في بغداد حينما أحيت گوگوش حفلات في بغداد في نهاية السبعينات،وقد لاحظت أن عددا من الشباب والفتيات العراقيات معجبين بها ويرددون أغانيها، وأهميتها تكمن في نجاحها الكبير في التزاوج بين فن الغناء الايراني التراثي الأصيل بمرافقة الالات الغربية، وقد انتشرت هذه الطريقة منتصف السبعينات في الشرق الأوسط وفي العراق أخذ الفنان الهام المدفعي هذه التجربة على عاتقه، وربما كانت لملامحها الفارسية الجذابة وطريقة تقديمها للغناء والملابس التي ارتدتها دور في جذب الجمهور العراقي، ومازلت أذكر أغنيتها الجميلة quot;گل سنگمquot;كواحدة من أجمل الأغنيات الايرانيةquot;.


والى جوار الصلة الوثيقة بين الغناء العراقي والغناء الايراني، خصوصا في عقد الستينات اذ كان التلفزيون العراقي يقدم التراث الغنائي الايراني بأصوات افضل ممثليه هايده ومهستي وستار وگوگوش ونسرين وداريوش وبنان، يعيد العراقيون ذكرياتهم مع ملكة البوب الايراني في المنافي التي شاءت الأقدار أن توحدهم واياها، ففي الحفل الذي أحيته گوگوش في دبي،تقدم شاب عراقي واسمه أحمد من المنصة وأهدى ملكة البوب الايراني قرصا مدمجا يحوي على معزوفات موسيقية أنجزها بنفسه، وذكرها بأنه نفس الصبي الذي قدم لها باقة ورد في حفل لها ببغداد قبل اكثر من عشرين عاما،لقد صمم ان يدخل الى عالم الفن بعد ان تأثر بأغانيها الجميلة.


لم يقتصر دور گوگوش في الغناء وانما شمل الفن السابع،إذ مثلت أدوارا رئيسية وثانوية في عدد من الافلام المهمة خصوصا بعد زواجها الثاني مع المخرج الايراني الشهير مسعود كيميائي، ومن هذه الأفلام نذكر :


quot;الأمل والخوفquot;.
شحاذو طهران
نجمة السموات السبع
المجانين الثلاثة
النافذة
مملquot;مختصر اسم محمد عليquot; الأميركي
النادر
الشعور الساخن
ليل الغرباء
دموع تذرف في هذا المساء
الحبيبة
شهر العسل.

وهنا فقرات من أغنيتها الشهيرة quot;نافذتانquot;:

ثمة نافذتان اسيرتان
متعبتان
وحيدتان
نافذة هي أنت
نافذة هي أنا
الجدار من حجر أسود
حجر بارد ملئ بالأشواك
و بالصمت أقفل الجدار شفاهنا المتعبة
تحت ضغط هذا الجدار
نعجز عن الحراك
وما حكاية حبي وحبك إلا حكاية الجدار
دائما ثمة مسافة بين يدي ويدك
دائما مفعمة بمرارة الماضي نهاراتنا وليالينا
ما من مسافة طويلة تبعدني عنك سوى غروري
لكن يد الريح الحنون سوف تجمعنا
ليت هذا الجدار ينهار
ليتنا نموت معا
كي نتعانق في عالم آخر

هناك ربما لا كراهية في القلوب
لا ألم في القلوب
ولا جدار يفصل النوافذ عن بعضها الآخر

[email protected]

التحقيق منشور في إيلاف دجتال يوم الاربعاء 7 شباط 2007