الأطفال يحملون همومهم على أكتافهم
غزة تغرق بمياه الصرف الصحي وبنيران المسلحين

سمية درويش من غزة: تعودنا على عطر المجاري، ولكن نموت فيها مهزلة، هذا ما قاله بشكل ساخط الحاج السبعيني أبو إسماعيل، بعدما ضرب تسونامي الصرف الصحي قريته البدوية الواقعة في شمال قطاع غزة. وبدا الحاج أبو إسماعيل، حائرا بين الهروب من الكارثة والفيضانات التي غمرت منازل القرية، والتفتيش عن أبنائه وأحفاده بعدما دمرت المياه العادمة منازلهم.
وصمت الحاج السبعيني برهة ثم عاد ليقول بلكنته البدوية، quot; حادثة مثل هذه الكارثة في بلاد أخرى تسقط الحكومات، ولكن عندنا لا حياة لمن تناديquot;، مطالبا في السياق ذاته بعزل كافة المسؤولين عن هذه الكارثة التي راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح.
وبدت أجهزة الأمن الفلسطينية حائرة بين تقديم المساعدة للمنكوبين وبين توفير الأمن بالمناطق الأخرى، لاسيما وان الفلتان الأمني لازال تسونامي أخر يضرب منذ زمن المناطق، حيث وصل إلى وزير الداخلية الجديد الذي تعرض موكبه لإطلاق النار بالقرية ذاتها. وتحيط بغزة الكثير من البرك وأحواض الصرف الصحي التي لم تجد معالجة لها، حيث على المار من مختلف الطرق أن يشم الروائح الكريهة، دون أن يتفوه ولو بكلمة، لكن سيارات المسؤولين في السلطة غالبا ما تكون مغلقة النوافذ ومكيفة، لذا لا يهمهم ما يعيشه أبناء شعبهم، هذا ما قالته المواطنة أم خليل.

الأطفال هم الضحية
الطفلة حنان أبو عتيق 9 سنوات، عادت من مدرستها لتجد قريتها طمست معالمها في المياه العادمة، فأصابها الخوف والقلق على عائلتها التي لم تجدها بجانب المنزل المدمر بعدما غمرته المياه. وتقف الطفلة حنان التي تبدو للوهلة الأولى ناضجة لارتدائها شالا على رأسها، حائرة وسط تساؤلات عديدة تدور في مخيلتها، والدموع على وجنتيها محاولة أن تختلس النظر لمنزلها لتعرف ما حل بكتبها وحاجياتها، من بين الجموع الذين وقفوا إلى جانبها لتهدءتها.وقالت حنان بعفوية، quot; لا ادري ما حل بقريتنا، أنا عائدة من مدرستي لأشاهد الآلاف من الناس يحيطون بناquot;، معربة عن قلها وخشيتها من أن يكون احد عائلتها أصابه مكروه.
ويبلغ عدد سكان القرية البدوية نحو5000 نسمة، أقيمت بناء على الاتفاق بين وزارة الإسكان والأهالي الذين كانوا سابقا يقطنون مكان مدينة الشيخ زايد، وتحيط بالقرية بركا للصرف الصحي، أقيمت في عهد الاحتلال الإسرائيلي، وتتجاوز مساحتها 450 دنما.

مشاهد
مشاهد وصرخات توجع القلب في القرية، فهناك من تبكي على أطفالها الذين لقوا حتفهم بالكارثة، وأخريات يبحثن عن أبنائهن المفقودين، وأطفال يحاولون اخذ ما يمكن اصطحابه من ذكرياتهم بالقرية.
الطفل إبراهيم يحمل معزته الصغيرة بعد أن نجح بإخراجها من قلب الفيضانات التي غمرت حوشهم، ويقول بأنها quot;عزيزة علي وصديقتي، حيث يوميا أقوم بإطعامها وتقديم الماء لها بعد عودتي من المدرسة وبالمساء اجلس إلى جانبها وأحاكيهاquot;.

الإعلام يفتتح جلسات المحاكمة
وقد شرعت وسائل الإعلام المحلية بفتح ملف القضية الساخنة بوجه الحكومة الجديدة، حيث أولت اهتماما خاصا بها، لاسيما وأنها جاءت في ظل الأوضاع المعيشية المتردية التي يحياها المجتمع الفلسطيني ورفضه للتناحر الداخلي الذي أودى بحياة الكثيرين.
مراكز حقوقية وجمعيات إنسانية طالبت على وجه السرعة بتشكيل لجان تحقيق لتقديم المسؤولين عن الكارثة للمحاكمات، بعدما فشلت مناشداتهم ومطالباهم المتكررة للسلطة بمعاقبة مرتكبي جرائم القتل والخطف.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، طالب السلطة الوطنية بفتح تحقيق فوري في الكارثة البيئية، بما يشمل تحديد الأطراف المسؤولة عن اتخاذ مثل تلك القرارات، والتي لا تؤمن الحد الأدنى من سلامة وأمن المواطنين وحماية حياتهم وسلامتهم الشخصية. وطالب المركز في بيان وصل quot;إيلافquot;، السلطة الوطنية أن تتحمل مسؤولياتها تجاه توفير كافة المساعدات الإنسانية الطارئة، بما فيها إيجاد أماكن إيواء ملائمة وآمنة للمشردين بسبب الكارثة.

المجلس التشريعي
من جهته دعا ماجد أبو شمالة عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح، الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية، إلى فتح تحقيق فوري للوقوف على أسباب الحادث المأساوي الذي تعرضت له قرية أم النصر شمال قطاع غزة. وشدد النائب علاء ياغي عن حركة فتح، على ضرورة إزالة كافة برك الصرف الصحي في بيت لاهيا، لأن استمرار وجودها سينذر بكارثة إنسانية أخرى، قد تحدث في أي وقت، مشيرا اليوم غرقت القرية البدوية وغدا ربما بيت لاهيا لأن برك الصرف الصحي اقتربت كثيرا من المناطق السكنية في شمال القطاع.

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الخميس 29 اذار 2007