وادي quot; نيلم quot; تحت الثلوج
يذبحون الحيوان في ديسمبر ويأكلونه طازجا في مارس

عبد الخالق همدرد: وصل أحد سكان وادي quot; نيلم quot; ndash; كشمير الحرة ndash; إلى إسلام آباد العاصمة بعد أن مشى ثلاثة أيام على الأقدام فوق الجليد قبل أن يجد سيارة يستقلها إلى مظفر آباد عاصمة كشمير الحرة. والسبب معروف أن الثلوج هذه السنة نزلت أكثر مما تعود عليه أهالي المنطقة خلال السنوات الأخيرة. كما أن العالم بأسره شهد قدرا أكبر من الثلوج مقارنة بالماضي.

وحكى ذلك المواطن quot; الثلوج نزلت كثيرة. قد نزل 16.5 قدما من الثلج في المنطقة العليا من القرية حسب أهل القرى الذين قاسوه على أسطح البيت قبل تنظيفها كل صباح. وفي المنطقة السفلى كان مقداره 14.5 قدما. ولم يكن أهل القرية يتمكنون الانتقال من بيت إلى آخر إلى أن توقف الثلج وانخفضت ما كان على الأرض منها بعد يوم مشمس. فبدأ الناس يتحركونquot;.

وأضاف quot; الحمد لله لم تكن انزلاقات ثلجية وإلا لكانت كوارث لا سمح الله. وعندما جئنا كان فالطريق لا يصلح إلا لمشي شخص واحد في آن واحد، وذلك أيضا بحذر شديد مخافة أن تسقط كتلة جليد على الطريق وتودي بحياة المارquot;.

ويبدأ وادي quot; نيلم quot; من مظفر آباد عاصمة كشمير الحرة. وطوله نحو 250 كيلو متر. والمناطق السفلى منه يشهد الثلج لكن أقل بالنسبة للمناطق العليا منه. وهو من أهم مصادر خشب البناء والأحجار الكريمة والعقاقير الصيدلية في كشمير الحرة. كما أنه يمثل منطقة هامة للسياحة في كشمير الحرة بسبب جبالها العالية وغاباتها الخضراء ومياه العذبة. ويتسمى الوادي باسم نهرها الذي يجري وسطه. والخرائط في باكستان تشير إليه باسم quot; نيلمquot; في حين تكتبه الخرائط الهندية والقديمة quot; كشن كنكاquot;.

تجارب عجوز
ومن الجدير بالذكر أن السيارة الأولى قد مرت بتلك المنطقة في عام 1981م وكان قبل ذلك يحتاج أهالي المنطقة إلى المشي على الأقدام حتى في أيام الصيف أيضا. وهنا لا تهمنا حياة أهل وادي (نيلم) في الصيف بل سنقدم بعض المعلومات عن حياتهم خلال فصل الشتاء فقط.

وقد ذكر عجوز من ذلك الوادي تجاربه هكذا quot; قبل ثلاثين سنة لم يكن الناس يعرفون لبس الملابس القطنية في الشتاء؛ بل كان لديهم ملابس صوفية. من صوف نعاجهم ومن غزل نسائهم وينسجونها بأنفسهم. وكانت الحياة ساذجة حتى كان البعض يخيط تلك الملابس باليد بدلا من الماكينة؛ لأن الماكينات العادية لا تخيطها بسبب سماكة القماشquot;.
quot; وكان الثلج ينزل كثيرا. كنا نقيسه على سطوح البيت عندما ننظفها بمجارف خشبية مطلية بالشحم لمنع الثلج من الالتصاق بها. وكان الثلج بين أربعة أذرع إلى ستة أذرع خلال أيام شهر يناير بعض الأحيان. ونرى هذه الأعوام أن الثلج لا ينزل إلا قليلاquot;.

وعندما سئل عن أعمال الرجال في ذلك الموسم قالquot; الرجال كانوا يعلفون الدواب خارج البيت إذا كان الجو صاحيا مرتين في اليوم. وكانوا يراقبونها. إضافة إلى تنظيف سطوح البيوت من الثلج. وبعض الأعمال داخل البيت إلى جانب نقل علف الدواب من الأمكنة البعيدةquot;.

كل شيء يدخر قبل بداية الشتاء
ويحتار الإنسان كيف يتمكن أهل تلك المنطقة من تسيير الحياة إذا كانت الثلوج إلى هذه الدرجة وليست لديهم أي وسيلة نقل خلال على الأقل أربعة أشهر، فهلا تتوقف عجلة الحياة كليا؟ هكذا يبدو لمن لم يجرب تلك الحياة؛ لكن الإنسان يتأقلم مع البيئة التي يعيش فيه ويخترع الأساليب التي تساعده على مسايرة الحياة فيها. ونفس ذلك يحصل مع أهالي تلك المنطقة الجليدية.

يقول العجوزquot; طبعا عجلة الحياة تتوقف في الشتاء؛ لكن هناك ترتيب لاجتياز ذلك الفصل القاسي إلى انبثاق الربيع وذوبان الثلوج. الناس يجمعون حوائجهم في بيوتهم قبل بداية الشتاء أو بالضبط قبل بدء الثلوج. في شهر أكتوبر يحصدون الذرة. وهو محصولهم الوحيد. ثم يطحنون ما يكفيهم للشتاء مرة واحدة؛ لأن الرحى المائية تتوقف خلال الشتاء. والآن سهولة. يمكن لواحد أن يشتري ما شاء من الطحين من السوق ويدخره في بيته. أما في زمننا كنا نشتري القمح ونطحنه قبل بداية الشتاء. وهكذا يدخرون من الحطب ما يكفي للشتاء. أضف إلى ذلك أن علف الدواب أيضا يدخر لتلك الفترة؛ لكن يحتاج أصحاب المواشي الكثيرة إلى شراء العلف من الآخرين نهاية الفصل عادة بأثمان غالية quot;.

أما أصحاب المحلات والبقالات فهم أيضا يشترون كل ما يتوقعون بيعه خلال فصل الشتاء مرة واحدة في أواخر شهر نوفمبر أو أوائل ديسمبر. وكما يستفيدون من شراء السلع في وقت واحد بعض الأحيان يتعرضون لخسائر أيضا إذ تهاجم الفئران المحلات وتعث فيها فسادا.

يذبحون الحيوان في ديسمبر ويأكلونه طازجا في مارس
والثلوج تسود المنطقة إلى أربعة أشهر. وخلال تلك الفترة لا يستخدم أهل المنطقة إلا خضارا جافة يجفونها أيام الصيف إلى جانب اللوبيا الحمراء والبطاطس. والغريب أن اللحم لا يباع في الأسواق. ويجدون اللحم في حالة يوشك حيوان على الموت فيذبحونه ويبيعون لحمه. أو قد يذبح أحد حيوانا إذا عرف أنه سيربح في سعره ميتا بدلا من بيعه حيا.

وطالما يمثل اللحم جزء لازما من الغذاء في المناطق الباردة فإن أهل وادي quot; نيلم quot; كان لديهم تقليد لأكل اللحم. وكان الأثرياء يذبحون ثورا كاملا ليأكلوه في الشتاء بينما الناس العاديون وأصحاب الأسر الصغيرة يذبحون ثورا أو بقرة لبيتين أو ثلاثة أو أربعة.

وعادة كانوا يذبحون الحيوان أيام ديسمبر حين يبدأ الماء في التجمد. ويعلقون اللحم في غرفة من غرف البيت. ويقطعون منه حسب الحاجة للطبخ. ويبقى اللحم طازجا ولا يتعفن إلى شهر مارس شريطة عدم إشعال النار في حجرة اللحم. وفي الماضي كانت هناك بيوت صغيرة مخصصة لادخار المواد التموينية واللحم. وكانت تلك البيوت من الخشب مع منحها رعاية خاصة لمنع الجرذان والفئران من التمكن من اقتحامها؛ إلا أنها غابت مع غياب الكثير من تقاليد الشتاء. والآن هناك من يذبح الحيوان ويدخره ويأكله إلى وقت طويل لكن لا يقدر كل واحد على ذلك كما كان في الماضي بسبب غلاء أسعار المواشي.

النساء لهن أعمالهن
أما النساء فلهن أعمالهن خلال الشتاء. مثلا أول ما يقمن به هو حلب الحيوانات وتعليف الأبقار داخل الدار وثم تنظيف البيت وكل ما تقوم به امرأة في البيت من طبخ الطعام وتربية الأطفال. وتذكر امرأة تجاوزت الخمسين سنة من عمرها أن quot; من أهم أشغال النساء في الشتاء كان غزل الصوف. وكن يغزلن الصوف لينسج منه الأردية والجوارب والقلانس والملابس. وكانت من عادتهن الاجتماع في بعض الأيام في بعض البيوت للسهر لغزل الصوف. وكان صاحب البيت يعد لهن طعاما خاصا. وكن يغزلن الصوف في ضوء خشب من نوع خاص. ولم تكن في تلك الأيام المصابيح ولا الكهرباء. والليل في تلك الأيام يكون طويلا. ومن أجل قتل الوقت وإعادة النشاط كانت بعض النساء يحكين قصص الملوك والجن والحورياتquot;.

كل شيء تغير
وترى تلك العجوزة أن الحياة تغيرت الآن ولم تعد النساء يتعبن في الغزل والسهر من أجله؛ لأن الملابس الصوفية قلما تجد أحدا يرتديها الآن؛ لأنها أصبحت جزء من التاريخ. ومن يتعب لبذلة واحدة لشهر أو أكثر مع ارتفاع أجرة الحائكين. فهي أصبحت غالية جدا.
وبالرغم من الحنين إلى تلك الأيام الخالية فهي ترى أن الناس الآن في سهولة وهم يتمتعون بأنواع من التسهيلات التي لم تكن متوفرة لجيلها؛ بيد أنها ترى أن التسهيلات قد أخرجت الناس من تقاليدهم وأصبحوا ضعفاء لا يقدرون على مقاومة الشتاء إذا زاد الثلج.

الشباب وأعمالهم
ففي الوقت الذي لا يبقى أي عمل خارج البيت يتوجه شباب الوادي عادة إلى المدن ليعملوا هناك في البناء ومجالات أخرى ليقضوا الشتاء في مناطق ليست بها الثلوج ويكسبوا من الفلوس ما يتمكنون به شراء حوائج البيت نهاية الشتاء قبل عودتهم إلى القرية ليحرثوا الأرض.

تجربة شاب
ويقول أحد الشباب من سكان المنطقة وقد سبق له أن مشى على الأقدام لمدة ثلاثة أيام للوصول إلى قريته في الشتاء مرارا quot; والله منطقتنا بمثابة الجنة في الصيف. لا يساوي ماء مائها ولا جو جوها. كل شيء أخضر والهواء ناعم. والغذاء خالص. والجو بارد. ليس فيه تلوث المدن... لكن السفر إليها خلال الشتاء ليس أقل من عذاب. كم من مرة كدت أحلف على أن لا أذهب إلى هناك... لكنها منطقة تسحر الإنسان في الصيف بخضرتها وبغاباتها الجميلة الكثيفة والحياة الطبيعية الحلوةquot;.

ويضيف quot; كلما سافرت إليها في الشتاء عزمت على أن لا أعود إليها في الشتاء... لكن الحنين إلى الأهل والوطن كأنه تجرنا إليها جرا... رغم أنوفنا...quot;