يحتضن في حناياه تراثًا ومطاعم وملاه
شارع الجميزة...يتحدى الوجع بسهر رواده

ريما زهار من بيروت: شارع الجميزة في بيروت يحتضن في حناياه ابنية تراثية ومطاعم وملاه كثيرة تجعله قبلة اللبنانيين من كل الاعمار وحتى مقصد الاجانب من كل الجنسيات. ورغم الحالة الامنية المتضطربة التي يعيشها لبنان استطاع شارع الجميزة ان يحافظ على رواده، متحديًا الوجع الذي يلم بخاصرة لبنان وقلبه، رافعًا شعار نعم للحياة بالرغم من كل شيىء. الدخول الى شارع الجميزة يستلزم بعض الوقت لان هذا الشارع العريق يقتظ بالسيارات ليلًا نهارًا لتبلغ ذروة الاقتظاظ في الليل. ابنية تراثية تتحدى من يريد ان يجرفها ليبني مكانها ابنية حديثة، ومطاعم تنتشر هنا وهناك وملاه تنتظر من يلجها عندما يبسط الليل ستاره الاسود فتهدأ النفوس المتناحرة.
نشأة الجميزة العمرانية الحديثة بدأت بعد الحرب العالمية الأولى و شكّلت بكل من يرتادها تجمعا فريدًا تلتقي فيه حضارات العالم وأفكاره واكتشافاته وتجاربه ومعتقداته فشكّلت صورة استثنائية نتيجة التفاعل زمن السلم عكست صورة عن الغنى الهائل فكريًا وثقافيًا واجتماعيًا.
فالمنطقة منذ بدء تكوينها العمراني على النمط الكولونيالي الفرنسي مفطورة على ثقافة بلاد الغال فكان صاحب الحانوت والسمكري وبائع السمك وحتى البائع المحلّي المتجول فضلًا عن الأستاذ والكاهن يتحدثون بالفرنسية بفعل الاحتكاك مع السلطات المنتدبة واقتداءهم بثقافة الغرب وحتى اليوم تلتقي بعجائز من الذين يجتمعون ليتسلّوا في المقهى الزجاجي يتكلمون الفرنسية بطلاقة برغم انهم لم يكتسبوا علمًا في المدرسة.
فاجتذبت المنطقة منذ البدء طبقة مثقفة من الأطباء والمهندسين والمحامين والصحافيين الذين كانوا ينحدرون من الريف والمناطق اللبنانية للاقامة في مكان هو الأقرب الى الدوائر الرسمية والى الوسط التجاري.
ولا يزال شارع الجميزة ملتقى لمختلف الجنسيات، فهنا ترى الاسباني والفرنسي والايطالي بجانب اللبناني ابن البلد، يتفاعلون باحاديث كثيرة تبرز في مقدمتها الاحوال الامنية في بلد بات فيه الامن خبزنا اليومي.
في احدى مطاعم الجميزة يبادرنا النادل بالقول بان المطعم بدأ فعليًا منذ العام 2004 والمطعم يستقبل رواده من الصبح حتى المساء حيث يشهد المساء اقبالًا كبيرًا من كل الاعمار، وفي النهار يقوم رجال الاعمال بزيارة المطعم بينما في الليل تكون الافضلية للشباب والعشاق.
وتأثر المطعم لكن قليلًا بالاحداث التي جرت في لبنان خصوصًا الامنية، لكن الاجانب الذين يرتادون المطعم هم باكثريتهم من الصحافيين وهم باغلبيتهم يعيشون في منطقة الجميزة.
في محل للالبسة الرياضية بادرتنا صاحبة المحل السيدة بطحيش بالقول الزبائن من كل الاعمار والاجناس ومع افتتاح المطاعم منذ سنوات زاد الاقبال على المحلات التجارية، وتقول بان منطقة الجميزة بدأت شهرتها الفعلية منذ خمس سنوات لكنها كانت قديمة ومتجذرة في العتق، وتأثر المحل بالاوضاع الاقتصادية والامنية، وعندما تهدأ الامور في البلد نجد اجانب وعربًا يرتادون منطقة الجميزة، وهي منطقة جامعة، وكمنطقة يتواجد فيها مطاعم ومقاه قمنا بحماية انفسنا من خلال اجهزة بشرية تؤمن الحماية، وماديًا دفعنا الكثير لتأمين الحماية لان الامن للجميع.
في احدى المطاعم بادرنا النادل بالقول بان المطعم افتتح منذ عامين ونصف العام، وان الحركة جيدة، وربما تكون الجميزة قد اخذت شهرة الوسط التجاري بعدما اغلق هذا الاخير ابوابه بفعل الاعتصام فيه.
وتأثرت المنطقة، يضيف بعد موجة التفجيرات، والزبائن من كل الاعمار، والمنطقة محمية من قبل الدرك المتواجدين في الجميزة.
احد الموظفين العجائز في سوبرماركت يكاد يكون عمرها ملاصقًا لعمر هذا العجوز، بادرنا بالقول متأففًا :quot;الحالة الامنية مذرية كذلك وضع البلد والمناطق كافة، والشغل خفيف، والوضع quot;تعبانquot; وكلما كانت الحالة الامنية جيدة كلما انتعش الوضع الاقتصادي في لبنانquot;.
قهوة quot; الازازquot;
لا يمكن لزائر شارع الجميزة الا ان يمر بقهوة quot; الازازquot; ( الزجاج بالفصحى) وهي سميت كذلك لقدمها في منطقة الجميزة وهي تحمل في عبق عتقها الكثير من ذكريات هذه المنطقة العريقة.
تقول ندى المسؤولة عن المحاسبة في المطعم ان الاوضاع التي يمر بها لبنان اثرت نوعًا ما على الاقبال من قبل الزبائن، وتضيف ان هناك 30 عائلة تنتفع من ايرادات المطعم وهي مهددة، وكلما حصلت مشكلة في البلد، كلما تراجعت الامور الى الوراء، واجمالًا في كل الشارع تتأثر المطاعم مع الاوضاع، ومع التفجيرات تأثرت المطاعم كثيرًا لكنها عادت نوعًا ما الى طبيعتها، وكانت لجنة الجميزة قد قامت بتمويل بعض الاجهزة الامنية لحماية المطاعم.
اسباني
quot;فرانquot; من رواد quot;قهوة الازازquot; وهو اسباني الجنسية يعمل مدرسًا للغة الاسبانية في لبنان، يحب ان يرتاد المطعم ومنطقة الجميزة تعني له الكثير خصوصًا وانها باتت ملتقى لكل الجاليات الاجنبية في لبنان، وهو يحب الطعام اللبناني وخصوصًا التبولة.
اما هل يخاف من الوضع الامني في لبنان ويفكر بالعودة الى بلاده، فيقول فران انه اعتاد هذا الوضع في لبنان فهو هنا منذ زمن بعيد، ورغم الاوضاع الامنية فان اللبناني برأيه مسالم ولا يحب المشاكل ولو كان الخيار للشعب اللبناني لما كان هناك مشاكل.
فران ليس الاجنبي الوحيد الذي قد تلتقيه في شارع الجميزة، فالرؤوس الشقراء العديدة التي تلتقيها في طريق العودة من شارع الجميزة تنبؤك بان المكان تكثر فيه الجاليات الاجنبية ربما لانه المكان الذي لا تزال الحياة تنبض فيه، حياة ترفض ان تستسلم ليد الغدر والاجرام، وتتحدى الموت بكل اطيافه ومعالمه.

* تصوير ريما زهار