التنقيبات بها كشفت تماثيل الأباطرة وآلهة كنبتون ومارس وجوبتر

وليلي المغربية... مدينة إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس

أيمن بن التهامي من الدار البيضاء: منذ سنة 1997 صنفت مدينة وليلي التاريخية ضمن التراث العالمي الإنساني، لما تختزله من مواقع أثرية عتيقة خلفها الرومان بعد غزوهم شمال أفريقيا، يوم كانت إمبراطوريتهم في عنفوانها لا تغيب عنها الشمس. وتعرف هذه المدينة لدى السياح الأجانب، الذين يقصدونها من بلدان بعيدة، باسمها اللاتيني quot;فوليبيليسquot;، فيما يرى مؤرخون أن اسمها مشتق من quot;أليليquot; الذي يقصد به ورد شجر الغار. وتقع وليلي على بعد 3 كلم غرب مدينة مولاي إدريس زرهون، بالقرب من العاصمة العلمية فاس. وساهمت عدة ظروف طبيعية في استقرار الإنسان بهذا الموقع منذ عهد قديم، لعل أهمها وفرة المياه (وادي الخمان ووادي فرطاسة) والأراضي الزراعية ومواد البناء (محاجر جبل زرهون)، إضافة إلى إشراف المدينة على منطقة فلاحية خصبة.

وازدهرت هذه وليلي في عهد الملك الروماني باطليموس، ما بين 25 ق م و 40 م، لتصبح عاصمة لموريطانيا الطنجية آنذاك (من طنجة إلى السنغال). وأماطت التنقيبات والأبحاث الأركيولوجية، التي جرت في المنطقة خلال القرن 20، اللثام عن معطى يتمثل في أن أول استقرار سكاني بوليلي يرجع إلى القرن 3 ق.م، كما تدل على ذلك بعض النقائش البونيقية التي جرى العثور عليها والتي تعود إلى فترة حكم الملك يوبا الثالث وبطليموس ما بين سنة 25 ق.م و40 م.

وسجلت فترة حكم الأباطرة الرومان انفجارا عمرانيا برزت مظاهره في المعابد، مثل معبد الكابتول وبناية المحكمة والحمامات والساحات العامة وقوس النصر، المعروف باسم الإمبراطور كاركلا، بالإضافة إلى المنازل الواسعة المزينة بلوحات الفسيفساء، وفيها عثر على لقى مختلفة كالأواني الفخارية والأمفورات والنقود والمنحوتات الرخامية والبرونزية التي تشكل اليوم جزءًا مهمًا من معروضات متحف الرباط.

وأظهرت الكشوفات الأثرية أن وليلي كانت تعيش حياة يسودها الترف، فإنتاج البرونزيات المتمثل بشكل خاص في صناعة التماثيل تميز بالغزارة نتيجة توافر المواد التي تتشكل منها هذه التحف الفنية، كالذهب والمنغنيز والنيكل والفضة والزنك والكروم والنحاس والحديد، كان يصل إلى أسواق العالم.

ومن مظاهر هذا الترف، اتساع المدينة لتتجاوز مساحتها 40 هكتارًا، إلى جانب استقرار الطبقة الغنية في جهة الشمال الشرقي، حيث جرى العثور على أغلب التماثيل البرونزية الكبرى مثل تماثيل الأباطرة والفرسان وبعض الآلهة كنبتون ومارس وجوبتر.

ووليلي اليوم أهم موقع أثري مغربي معروف ومحفوظ، وموسم الصيف أكثر الفصول زوارًا بسبب العطلة وتزايد السياح، إذ يزورها سنويًا مائتا ألف سائح مغربي وأجنبي.

وبعد محنة العرب في الأندلس، استقبلت وليلي مجموعات من النازحين الأندلسيين ليبدأ عهد جديد استمر حتى عام 1755 حين تعرضت لزلزال عنيف لم تنهض منه أبدا، ولم يبقَ منها سوى آثارها شاهدة على زمن بعيد غابر.

واكتشفت المدينة للمرة الأولى من قبل علماء الآثار الألمان أيام الحرب العالمية الأولى الذين أزاحوا الستار عن أجزاء قليلة منها، بينما لم يزل الجزء الأكبر مغمورا تحت الأرض، لكن بدايات الكشف التي امتدت من 1882 إلى 1918، وكانت على يد العالم الأنثربيولوجي والآثاري الفرنسي هنري دولامارتينيير الذي سمحت أبحاثه العلمية باكتشاف مدينة وليلي ثم مدينة الليكسوس.

ويعكس النزعة العسكرية الأسوار العالية وأبراج المراقبة، وهي تنتصب جاهزة لرد الثورات والهجمات المضادة التي كان يشنها السكان المحليون بين فينة وأخرى.

وقبل الغزو الروماني، الذي انتهى باحتلال شمال أفريقيا عام 39 للميلاد إثر قيام الإمبراطور quot;كاليجولاquot; بقتل بتوليمي ابن الملك الأمازيغي يوبا الثاني، كانت المدينة مأهولة بالسكان.

وليست وليلي المدينة الوحيدة التي شيدها الرومان في المغرب، فهناك مدن رومانية أخرى مثل شالة وليكسوس وبانسا، إضافة الى تموسيدا التي اكتشفت في ستينات القرن الماضي، غير أن المعالم التي تبقت منها اقل شأنًا مما عثر عليه في وليلي.

ومنذ تصنيفها ضمن الثرات العالمي شرعت وزارة الثقافة المغربية في تنفيذ مشروع ضخم لتأهيل الموقع يشمل إقامة فضاءات للباحثين ومختبر خاص بمعالجة اللقى التاريخية ومركز للمعلومات، كما أخذت تقيم منذ 1999 مهرجانًا دوليًا على غرار مهرجان بعلبك اللبناني تشارك فيه فرق غنائية وموسيقية يستقطب آلاف الزوار من مختلف أنحاء العالم.