تيمشراط هو القربان ويسمى بالأمازيغية (أسفال) حيث يتم جمع أموال من القرى والبلدات، ويتم توظيفها في شراء العجول ويجري نحرها في عيد الأضحى وتوزّع لحومها على مستحقيها.


نحر العجول لرسم البسمة على وجوه المحرومين

كامل الشيرازي من الجزائر: تشتهر منطقة القبائل الكبرى في الجزائر بتقليد quot;تيمشراطquot; الذي توارثه السكان المحليين عن أجدادهم الأوائل، ويستمر هؤلاء الأمازيغ الذين يتمركزون بمحافظات تيزي وزو وبجاية والبويرة وبومرداس، في التشبث بتقليد quot;تيمشراطquot; ويتخذونه كسلوك تضامني أصيل لإدخال فرحة العيد إلى قلوب مواطنيهم من العوائل الفقيرة والمعوزة التي لا يسمح لها دخلها باقتناء أضاحي العيد.
يقول العمّ quot;آكلي محندquot; (53 عاما) ابن منطقة أزفون الساحلية التابعة لمحافظة تيزي وزو (110كلم شرق)، إنّ quot;تيمشراطquot; تقليد أمازيغي موغل في القدم يمتد إلى آلاف السنين، ويردف الحاج إسماعيل (65 عاما) أنّ تيمشراط هي بمثابة قربان يسمى بالأمازيغية (أسفال)، حيث تفيد الأسطورة المحلية أنّه يتيح استقطاب قوى الخير واستبعاد قوى الشر وهو اعتقاد شائع هناك.
ويضيف آكلي لـquot;إيلافquot; أنّ العرف السائر ينص على التضامن مع الفقراء وتمكينهم من نيل نصيبهم من أضاحي العيد، وتقوم quot;تيمشراطquot; بحسب آكلي على جمع أموال مختلف سكان القرى والبلدات، ويتم توظيفها لاحقا في شراء عدد من العجول ويجري نحرها في عيد الأضحى وتوزّع لحومها على مستحقيها.

ويشرح العم الطيب (61 عاما) أحد من أشرفوا على عملية quot;تيمشراطquot; ببلدة quot;تيغزرتquot; المجاورة، إنّ تحضير طقس تيمشراط يمرّ عبر تنظيم جمعية عامة على مستوى القرية يتم خلالها جمع المبلغ الضروري، وذلك وفقا لتركيبة مشكلة من صندوق القرية الممول من التبرعات والغرامات التي تم جمعها طوال السنة تضاف لها مساهمات من العوائل الثرية في القرية إلى غاية بلوغ النصاب المقرر، على أن يتم شراء الأضاحي أسبوعا كاملا قبل العيد، وتوضع في مكان آمين تحسبا لنحرها في الموعد المحدد.

وبحسب quot;إبراهيمquot; وquot;قاسيquot; وهما ناشطان في اللجان المعدة للغرض، فإنّه لضمان التنظيم الأحسن للعملية، يتم إعداد قوائم اسمية للعوائل المعنية وحصص اللحم التي ستستفيد منها وفقا لعدد أفرادها، ويكشف إبراهيم وقاسي إنّ تيمشراط لا تقتصر على ساكني القرية فحسب، بل تمتد إلى أولئك الذين لا يعيشون بالقرية، ولكنهم أبقوا على صلات الرحم مع أقربائهم، ويتم عدم (إقصاء) هؤلاء من باب أنهم أبناء القرية حتى وان ابتعدوا جغرافيا عنها، إلى جانب تقوية الأواصر والصلات الاجتماعية.
ويقول عارفون إنّ نحر خمسة عجول بالمنطقة الواحدة، يسمح بتوزيع قدر وفير من اللحوم على قرابة ثمانمائة عائلة، ويلفت العم الطيب إلى أنّ لحوم العجول يتم نحرها من طرف محترفين متبرعين في بطحاء كبيرة ويتعاونون في تقطيعها على نحو متساو، ويجري وضعها في أكياس معدّة للغرض، قبل أن تتكفل فرق شبابية بإيصالها إلى بيوت الفقراء والمحتاجين قبل انقضاء صبيحة اليوم الأول للعيد.


ويشير كمال، أحمد، سمير وغيرهم من شبان قرية quot;معاتكةquot; أنّ هذا العرف التضامني يشهد ازدهارا رغم تضاؤله خلال سنوات الفتنة الدموية، لكنّه الآن بحسب الحاجة الطاووس (68 عاما) عاد بقوة بشكل أتاح إحياؤه أيضا بمناسبة ذكرى عاشوراء، في حين يركّز السوسيولوجي quot; فاروق ميداسquot; على أنّ quot;تيمشراطquot; سمحت بتعميق الروابط الاجتماعية في الوسط الأمازيغي.
وتعدّ تيمشراط مظهرا من مظاهر الكرم العفوي التي كانت سائدة في الماضي مثل تقاسم لحم الأضحية، وتمكين الكادحين من نصيب يُطلق عليه محليًا (الوزيعة) كما هو الحال في جنوب البلاد، أين يتكفل الأثرياء والأعيان بالإنفاق عليها، مع الإشارة إلى أنّ فريقا من الميسورين يرتضون نحر عجول وأبقار، وتوزيع لحومها على المحرومين، وهو سلوك اتسع نطاقه.
وتستمر الاحتفالات بالعيد في منطقة القبائل الجزائرية ثلاثة أيام، وتتسم بعادات راسخة كزيارة الأهل والأقارب وتخصيص الفخذ لكل منهما، علما أنّ ربات البيوت تتفنن في تحضير أكلة المسمن يوما واحدا قبل وقفة عرفة، أما الأطفال الصغار فيلبسون الجلابية البيضاء والطربوش الأحمر.


وتفضل النسوة (طلاء) الكباش في الجزائر بـ(الحنة التقليدية) ليلة العيد، وبعدما ظلّ الكهول والشيوخ هم من يقومون بعملية النحر، تغيّر الوضع نسبيًا في السنتين الأخيرتين من خلال جنوح كوكبة من الشباب لذبح أضاحيهم، في وقت جرى إحياء سنة الجزائريين الأوائل، من خلال التقاء أشقاء وأقارب وجيران وحتى أصدقاء في باحة كبيرة، وشروعهم في التضحية جماعيًا وتناول طعام الغداء في مجالس عامرة أعادت شيئًا من حميمية أيام زمان، تقدّم فيها quot;المشوياتquot;، فضلاً عن (العصبان) وهو طبق محشي باللحم، ناهيك عن (شطيطحة بوزلوف) و(الرشتة) و(الكسكسي باللحم).
ورغم كثرة التحولات التي طرأت على المجتمع الجزائري، يتمسك الأمازيغ الأحرار في الجزائر بتقاليد أجدادهم، فتراهم يحبذون إحياء سنة النحر بشكل جماعي والإكثار من الصدقات، إلى جانب محافظتهم على زيارة المقابر وترسيخ صلات الأرحام في عيد لم يعد الجزائريون يحسون بطعمه الكامل.


ومن العادات المحبّبة إلى نفوس الأمازيغ في عيد الأضحى، اغتنام المناسبة لتبديد الكآبة ورسم السعادة، إضافة إلى التقارب وتوثيق العلاقات الاجتماعية وفك النزاعات وإقامة الصلح بين المتخاصمين، ما يحوّل العيد إلى محفل يغمر الكبير والصغير بالبهجة والحبور، ويسمح هذا التواد بإنتاج مشهد بانورامي خاص تندمج فيه فرحة ملايين الرجال والأطفال والنساء بأزيائهنّ التقليدية وأغلى ما تملكنّ من حلي.
كما يتسّم الاحتفال بالعيد بطابع تراثي في أوساط الأمازيغ، حيث تقام عديد الأنشطة الثقافية والفنية والتجارية بمشاركة فرق فولكلورية وجماهير غفيرة تنتشي بمعزوفات آلة quot;البنديرquot; وطلقات البارود، بينما يستغل الحرفيون والمزارعون المناسبة، لعرض منتجاتهم من أواني ومنسوجات وزرابي وحبوب وخضر وفواكه وتوابل.


وتُعرض مسرحيات شعبية يؤدي أشخاص عاديون أدوارها، وتتكون في الغالب من رموز كالمدبر (مثال الحكمة) وزوجته (تمثل الخصوبة والعطاء) والأسود الحراس (يمثلون الحماية) وبعض التابعين.
وعلى منوال مناطق أخرى في البلاد، يفضل كثير من شباب منطقة القبائل الكبرى الاحتفال بعيد الأضحى على طريقتهم، من خلال تنظيم مجالس الشواء على الجمر أو على (الباربكيو) اللفظ الشائع محليا، حيث ينهمك كثيرون في طهي قطع اللحم على الجمر وتناولها ساخنة وحدها أو مع سندوتشات، فيما تملأ ألسنة النيران والروائح الزكية المكان.