ألوان فجة وخشية من عسكرة ساحة الفردوس
جدران بغداد الإسمنتية تجلب الأمان وتشوه العمران

عبد الرحمن الماجدي من بغداد: يشكو سائق التاكسي الشاب من ازدحام شارع السعدون وسط بغداد بشكل يومي حيث يمضي الوقت بطيئًا عليه وعلى عربته وزبائنه من الركاب بسبب ضيق الشارع المؤدي. فمعظم شوارع بغداد الشهيرة بسعتها ضاقت مساحاتها بشكل ملحوظ لتتسع بعضها لمرور سيارة واحدة فقط، فالجدران الاسمنتية التي ترتفع لأكثر من مترين وتمتد على طول الشارع أعاقت بل منعت السيارات المفخخة التي كانت تستفيد من سرعتها لتباغت رجال الشرطة والمدنيين لتنفجر وسط أكبر عدد منهم. في بداية كل شارع ينتصب حاجز أمني لمغاوير وزارة الداخلية أو الحرس الوطني العراقي وينتهي الشارع بحاجز مماثل مع عبارات باتت شهيرة تشير أن الجميع خاضع للتفتيش حيث أصبح هؤلاء الحراس خبراء في تفرس وجوه الركاب فيتم انتقاء بعض السيارات للتفتيش بجهاز كاشف المتفجرات مع عبارات الود من الشرطي والأمنية التي تخترق وتطوق الاحياء البغدادية تبدو بلونها الكونكريتي الفج مشوهة لعمران المدينة التي كان معماريوها يتباهون بالأبنية التي صمموها في القرن الماضي وكانت محل اعجاب وفخر البغداديين.

وتبدو لدى بعض البغداديين أن كثرة الازدحامات المرورية في بغداد ثمن للامان الذي جلبته هذه الجدران لهم. وحين تسألهم عن لونها الجاف والخالي من صفة جمالية لاتصميما ولا لوناً يأتيك الجواب quot; يمعود، ياجمالية؟ المهم حمتنا من الإرهاب وماراح تظل للابدquot;. في شارع السعدون وفي منطقة الباب المعظم تبرع بعض الفنانين بتلوين بعض الجدران الامنية برسوم فلكلورية غير أن الأعم الأغلب منها لما يزل قبع تحت وطأة التشوه الجمالي شكلاً ولوناً. وقد غيب خلفه بنايات جميلة وشهيرة ببغداد. كما تم تلوين بعضها بالوا العلم العراقي الاحمر والاسود والاخضر بطرقة بدائية.

من جانب آخر يجري حديث يشوبه ألم من قبل بعض البغداديين عن جدوى اعادة نصب الجندي المجهول السابق في ساحة الفردوس مكان نصب الناجين الذي شيده على انقاض تمثال صدام حسين بعض المثقفين العراقيين الشباب كرمز لهم كناجين من محرقة النظام السابق. فما هي الحكمة من اعادة العسكرة للنصب في بغداد مع وجود صرح جميل ورائع للجندي المجهول في كرخ بغداد.

ولم تخلُ ردود افعال بعض البغداديين من الطرافة حيال الجدران الاسمنتية فقط خط أحد الحلاقين الذي سد عليه جدار شارع فلسطين أي باب للرزق ولم يعد يراه اي أحد بعد ان كان بارزاً محله للجميع وهم يقطعون الشارع بسياراتهم. فكتب على الجدار قبالة محله من جهة مرور السيارات quot; حلاقة quot;هانيquot; اعبر الجدار وتلقانيquot;. ومع اشتداد الحملات الانتخابية خلال الشهر الماضي داهمت ملصقات المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات هذه الجدران لتزيدها تشويها خاصة بعد مضي الانتخابات وبقاء الملصقات ممزق بعضها بشكل يستفز الناظر اليها وكأن صور المرشحين سعيدة بهذه الجدران التي وفرت لهم مكانا مجانيا للدعاية الانتخابية.

ولم تسلم من الجدران الأمنية حتى جسور بغداد التي تبدا وتنتهي بحاجز أمني مع ضيق في الطريق المخصص لمرور السيارات خاصة في بعد قطع الجسر نحو كرخ بغداد الذي يضم المنطقة الخضراء ومعظم منازل المسؤولين. ولعل الفائدة التي جلبتها الجدران الأمنية هي منع وقوف السيارات على يمين الشارع حيث اعتاد العراقيون على جعل الجانب الايمن من الشارع كمحل وقوف quot; بركنكquot;. فقد تم انشاء ساحات وقوف للسيارات قرب الشوارع الشهيرة والتي ضاقت مساحاتها.

فشارع أبو نؤاس مثلاً الذي يشهد اليوم اقبالا كبيرة من البغداديين مع عوائلهم قبالة نهر دجلة بعد اعادة ترتيب الكورنيش واعادة فتح مطاعم السمك المسكوف والمقاهي تم إغلاق جانب الاياب للقادم من جهة جسر الجمهورية فاصبح الجانب الايمن لمسارين يسع سيارة واحدة فقط. بعض الجدران الأمنية تم نقلها من مناطق الفضل والاعظمية بعد الهدوء الذي شملها نحو مناطق اخرى اكثر سخونة منها مثل مدينة الأعظمية او الفضل انتقلت نحو مدينة الصدر التي ساهمت هذه الجدران بنشر الأمان فيها بشكل كبير. حين سالت أحد العراقيين عن الجدران الامنية اجابني بسؤال آخر عن المكان الذي ستنقل اليه اذا ما انتفت الحاجة منها، مجيبًا بأن افضل مكان لها هو الحدود العراقية مع دول الجوار.