راينر ماريا ريلكه Rainer Maria Rilke ( 1875- 1926 )
ترجمـة د. بهجت عباس
ولد رينيه كارل فيلهلم يوهان يوسف ماريا ريلكه في براغ سنة 1875 لأب كان ضابطاً عسكرياً ولكنه كان مريضاً لم يستطع أن ينال ترفيعاً، لذا صار مدير محطة في براغ. ولم يكن على علاقة حسنة مع زوجته فيـاPhia المنحدرة من أصول أرستقراطية من منطقة الألزاس، التي تتكلم الفرنسية، فانفصلا. دخل رينيه، هكذا كان إسمه حتى عام 1897، حيث حثّـته صديقة العمر لـو أندرياس سالومه Lou Andreas Salome ( كانت صديقة نيتشه التي رفضت الزواج منه ) على تغيير إسمه إلى راينـر، لأنه أكثر ألمانيةً ورجولةً، المدرسة العسكرية، ولكنه تحاشى الجيش فدرس التجارة والفن وتأريخ الآداب في براغ، ميونيخ وبرلين. وكان والده يوسف يساعده ماديـاً. كان على غير وفاق أمه التي كانت صارمة، والتي كانت تعقص شعره وتُـلبِـسه ثياب البنات حتى سن السّابعة من العمر، لأنها فقدت إبنتها قبل سنة من ولادته. سافر إلى روسيا عام 1899/1900 فأعجبته البلاد وأناسها وقد صاحب تولستوي. وكان ( كتاب الساعات ) المطبوع عام 1905 نتيجة هذه الرحلات. في سنة 1901 تزوج كلارا، وهي فنانة ونحاتة، فرزقا ببنت أسمياه روث، ولم يدم الزواج طويلاً فانفصلا، ولكنهما بقيا صديقين. وفي سنة 1902 ذهب ريلكه مع كلارا إلى باريس، ليكتب بحثاً أو دراسة عن النحات الفرنسي المشهور رودن ( ( Rodin ، حيث كانت كلارا طالبة لديه. ساعده رودن وجعله سكرتيراً له مقابل 200 فرنك شهرياً وأسكنه في كوخ يقع في حديقة داره. وكان ريلكه يعمل ساعتين صباحاً فقط. بقي يعمل مدة خمس سنين أنتج خلالها أشعاراً كثيرة جمعها في كتابيْـه ( كتاب الصّور ) و (قصائد جديدة( - 1907-1908.
الأشعار الأخيرة
الأشعار الأخيرة لريلكه كتبت بين 1922 و1926 وتشمل عشرَ مراثٍ، هي مَـراثي دوينـو التي بدأ بكتابتها في سنة 1912 في قلعة دوينو ( على البحر الأدرياتيكي ) وأكمـلها سنة 1922 في قلعة موزوت ( موزيتّـه )، حيث عمل عليها بصورة متقطِّعـة خلال عشرة أعـوام. وهي قصائد فلسفيّـة. وأثنـاء كتـابتها واتتـه القريحة فكتب خمساً وخمسين سونيتـةً تكريماً لذكرى الفتاة فـيرا أوكاما كنوب Wera Ouckama Knoop (تُـلفَـظ Vera) التي وافتها المنية عن عمر لا يتجاوز العشرين عاماً نتيجة إصابتها بمرض غُـدِّيٍّ. وأشعـار قصيرة متفرقة لم ينشرها ريلكه في حينها، فقد كان يحفظها لنفسه فقط.
كانت فـيرا إبنـة صديقة ريلكه، التي كانت تملك قلعة موزوت التي قضى فيها الأعوام الأخيرة من عمره وكتب فيها السّونيتات. وكان ريلكه قد رآهـا ترقص مـرَّة واحـدة أو مـرَّتـيْن حينما كانت صبيّـة صغيرة. كانت فتاة جميلة وراقصة، ولكنَّ المرض أقعدها عن الرِّقص فالتجأت إلى الموسيقى والرّسم أواخـر حياتها القصيرة، فأوحت إليه بهذه السّونيتات التي كتبها في مدّة ثمانية عشر يوماً في شباط 1922 ( ومن قبيل الصّدف أنني ترجمتها في شباط أيضاً ولكـنْ في 26 يومـاً ). ولكنَّ فـيرا لم تظهر إلاّ في بضع سونيتات فقط، معظمهـا في أوائلهـا وفي أواخـرها، كـراقصـة تُمـثِّـل الموت المُـبكِّـر.
أورفيـوس
الشّخصيّـة الثّـانية في السّونيتات هي الشّخصيّـة الميثـولوجيّة أورفيـوس الذي أصبح رمـزاً للتّحـوُّل، فهو يُـغنّـي بين الموتى حيّـاً متنقّـلاً بين الملكوتيْـن، أو عالَمـيْ الأحياء والأموات. فمن هـو أورفيـوس؟
في المثولوجيا اليونانية كان أورفيوس، 600 سنة قبل الميلاد، إبن كاليوب Calliope (إحدى الآلهات التسع ndash; بنات زيوس ndash; كبير الآلهة ) إلهة العلوم والفنون وإبن إيكَـرُوس Oeagrus ملك ثراسيا ( الآن هي بلغاريا ورومانيا وتركيا)، ويقال أيضاً إنه إبن أبولو- إبن زيوس- إله الشعر والموسيقى والرقص والطب وإله النور أيضاً. واستعيرت هذه الأسطورة من الثوراسيين ( الهنود الأوروبيين). كان أورفيوس شاعراً وموسيقاراً كبيراً وكان غناؤه يسحر الحيوانات الوحشية ويحرك الأشجار والحجر. ويعتبر الممثل الرئيس للفنون والقيثارة والغناء. وعندما توفيت زوجته يوريديس Eurydice ( في الألمانية أويريدِكَـه Eurydike ) بعضّة أفعى، ذهب إلى الدنيا السّـُفـلى التي كانت تحت سيطرة هادس Hades ( ملك الأموات ) وأخ زيوس ليعيدها إلى الحياة مرة أخرى في الدنيا العليا (تحت سيطرة زيوس). وقد فُـتِـن هادس بغنائه فأحيا له يوريديس شرط أن يمشي أمامها ولا ينظر إلى الخلف عندما يصل سطح الأرض. ولكن حالما وصل أورفيوس وزوجته سطح الأرض نظر خلفه فانزلقت زوجته إلى باطن الأرض مرة أخرى وإلى الأبد.
أصبح أورفيوس حزيناً دوماً لا يُـواسَى واعتزل كل نشاط بشري. وفي أحد الأيام صعد جبلَ بانغايون Pangaion ليحيّيَ ربّه عند الفجر، وتحت شجرة هجمت عليه نساء المينادة Maenadas المخلصات لديونيسوس، إله الخمر والطرب والمرح، بالصخور وأغصان الأشجار، لأنّه لم يبجّـل سيّده السابق ديونيسوس، فلم ينلن منه مأرباً، لأنّ الأغصان والأحجار رفضت أن تضربه لرقّة غنائه، فهو مُحصَّن من كل ّ الأشياء الجماد. ولكنهن أخذن يضربنه بأيديهن فمزقـنه إرباً إرباً ورميْـن رأسه في النهر، فطفا الرأس وأخذ يغنّي والنهر يسير به حتى استقر به المقام في جزر لسبوس Lesbos ( جزر يونانية واقعة في بحر إيجة).
وهاتان سونيتـتـان، واحدة عن الفتاة فيرا، وأخرى عن أورفيـوس:
1-25
2-
لكنِ الآنَ أنتِ التي، أنتِ التي عرفتُ،
مثـلَ الزهرةِ، التي لا أعرف منها إسـمَها،
سأتذكّـرُها مرةً وأُريهمْ إيّـاها، المُختَطَـفةَ،
رفيـقةَ الصَّيحـةِ الحسناءَ، الصّيحةُ التي لا تُكبَحُ.
راقصـةٌ أولاً، جسمها ممتلئٌ تردّدأ،
توقَّـفتْ فَجأةً، كما لو صَبَّ أحدهمْ شبابَها في قالب نحاس;
معانيةً ومُصْـغِـيةً -. وهنا، من القِـوى العُـليـا
سقطت الموسيقى في قلبـها المُـتَبّـدِّل.
كان المرض قـريباً. تغلّبت الظِّلال وضايقت بعتمتها
مجرى دمـها، ولكنْ كما لو كان مُتَّهـماً هارباً،
تدفّـقَ قُـدُماً في ربيـعـه الطبيـعيّ.
مرة أخرى، مرة أخرى، مُـعتَـرَضاً بالعُـتمة والسّـُقوط،
شَـعَّ بالحيـاة. وبعد خَفـَقاتـه الرَّهيبـة
دخـل البابَ المفـتوحَ المُـوحِـشَ.
1 ndash; 25
DICH aber will ich nun, Dich, die ich kannte
wie eine Blume, von der ich den Namen nicht weiszlig;,
noch ein Mal erinnern und ihnen zeigen, Entwandte,
schouml;ne Gespielin des unuuml;berwindlichen Schreirsquo;s.
Tauml;nzerin erst, die plouml;tzlich, den Kouml;rper voll Zouml;gern,
anhielt, als gouml;szlig; man ihr Jungsein in Erz ;
trauernd und lauschend -. Da, von den hohen Vermouml;gern
fiel ihr Musik in das verauml;nderte Herz.
Nah war die Krankheit. Schon von den Schatten bemauml;chtigt,
drauml;ngte verdunkelt das Blut, doch, wie fluuml;chtig verdauml;chtigt,
trieb es in seinen natuuml;rlichen Fruuml;hling hervor.
Wieder und wieder, von Dunkel und Sturz unterbrochen,
glauml;nzte es irdisch. Bis es nach schrecklichem Pochen
trat in das trostlos offene Tor.
1 ndash; 26
لكنْ أنتَ، الربّـانيَّ، أنتَ، المُدنـدِنَ حتّى النهاية،
الذي أدركه حشدُ المِنـاديّـاتِ المُستهتِـرات،
أ ُخمِـدتْ صيحاتُـهـنَّ بتراتُب، أيها الجميـل،
وإرتفـع عـزفُك البنّـاءُ منْ بين المُـدَمِّـرات .
لم تكنْ واحدة هناك إستطاعتْ أن تُحطِّم رأسَك وقيثـارتَكَ.
كيف أنَّهن قَصَـفـْنَ واستَرحْنَ، وكلُّ الحجارة الحادّة،
التي صَوَّبْـنَها إلى قلـبك،
صارتْ ناعمـةً عليـك وحَظِـيَتْ بسُمـاعٍ.
وفي النِّهـاية مَـزَّقْـنَك، مُتَـأجِـجْـنَ للإنتقـام،
بينمـا بَـقِـيَ الرَّنـيـنُ في أسودٍ وصُخـورٍ
وفي الأشجار والطّيور. هناك لا تزال تغـنّي الآنَ.
آه! أيّـها الإلـه الضّائـعُ، أيّـها الأثَـرُ الأزلـيّ!
فقط لأنَّ العَـداوةُ أخيـراً قَطَّعَـتْـكَ إربـاً إربـاً،
نحن الآن المُستَمِعـون وفَـمٌ للطبيـعة.
1-26
DU aber, Gouml;ttlicher, du, bis zuletzt noch Ertouml;ner,
da ihn der Schwarm der verschmauml;hten Mauml;naden befiel,
hast ihr Geschrei uuml;bertouml;nt mit Ordnung, du Schouml;ner,
aus den Zerstouml;renden stieg dein erbauendes Spiel.
Keine war da, daszlig; sie Haupt dir und Leier zerstouml;r.
Wie sie auch rangen und rasten, und alle die scharfen
Steine, die sie nach deinem Herzen warfen,
wurden zu Sanftem an dir und begabt mit Gehouml;r.
Schlieszlig;lich zerschlugen sie dich, von der Rache gehetzt,
wauml;hrend dein Klang noch in Louml;wen und Felsen verweilte
und in den Bauml;umen und Vouml;geln. Dort singst du noch jetzt.
O du verlorener Gott ! Du unendliche Spur !
Nur weil dich reiszlig;end zuletzt die Feindschaft verteilte,
sind wir die Houml;renden jetzt und ein Mund der Natur.
مأخوذةمن مجمـوعة ( سـونيـتـات إلى أورفيـوس ) بلغة مزدوجة ndash; مُـعَـدّة للنشر.
التعليقات