نشر موقع (جهة الشعر) يوم 28 آب 2006 مقالة للكاتب شوقي يزبع تحت عنوان (ريـلكه: بعض الأعاصير كأنّها ولد لي) حلّـل أو نقد الترجمة التي قام بها سليمان حاج علي لأشعار ريلكه، وهذا شيء جميل أن تجد ترجمة أشعار ريلكه من الألمانية مباشرة إلى العربية، مما يتفادى الوقوع في ملابسات الترجمة عن الترجمة. لم أحصل على هذه الترجمات مع الأسف، ولكن ما لفت نظري هو قول الناقد يزبع: (الترجمة الجديدة تبدو أقل احتفاء باللغة السيالة واقل تصرفاً بمفرداتها وتراكيبها ولكنها أكثر ميلاً إلى الدقة والأمانة في نقل المفردة أو المعنى.)
ومن هنا يظهر أنّ الناقد له معرفة أو إلمام كافٍ باللغة الألمانية ليعرف أن المترجم سليمان حاج علي كان quot; أكثر ميلاً إلى الدقة والأمانة...quot; وإلاّ كيف استنتج ذلك دون إلمام بها ؟ ولما كنتُ مهووساً بدقة الترجمة وأمانتها، أيّا كانت لغة النّص الأصلي، دعاني حبّ الفضول إلى مطابقة بعض ما أورد الناقد شوقي يزبع من ترجمة عربية إلى نصّها الألماني، وأرجو ألاّ يؤخذ من كلامي هذا نقد ترجمة الكتاب كاملة لأنها، كما ذكرت، ليست في متناول يدي. ولربّما كنت مُخطئاً في هذا الشأن، ولكلّ اجتهاده.
أولاً : جاءت ( أعاصير) في العنوان والصّحيح ( رياح ) لآنّ النصّ الألماني هو كلمة ( Winde ) وليست ( Stuuml;rme ). الفرق كبير بينهما وكما قال الشّاعر:
إنْ كنتَ ريحاً فقد واجهتَ إعصارا
جاء في راقصة أسبانية ( كُتبت: الراقصة الأسبانية) :
(كعود ثقاب فضي في اليد/ يمتد قبل اشتعاله في كل صوب/ بلهب جافل/ تدور الراقصة/ وتلاحقها بالقرب منها نظرات لاهبة/ وتنداح دائرة رقصها المحموم../ وعندما تغدو الحماسة فاترة/ ترسم البسمة في محياها تحية/ وتدق الأرض بقدمها الصغيرة المحنكة).
فالنصّ الألماني هو:
Wie in der Hand ein Schwefelzuuml;ndholz, weiszlig;,
eh es nur Flamme kommt, nach allen Seiten
zuckende Zungen streckt_: beginnt im Kreis
naher Beschauer hastig, hell und heiszlig;
ihr runder Tanz sich zuckend auszubreiten.
فهنا أولاً لا توجد كلمة (فضي)، ثانياً كيف ( يمتد قبل اشتعاله في كل صوب/ بلهب جافل) إذا لم يكن مشتعلاً أومُـتّـَقداً؟ فهو قبل الاشتعال أو الاتِّـقاد خامل أو مستقر في مكانه. وما معنى (لهب جافل)؟
إن كلمة جافل التي وردت أعلاه هي من جفل، لا تصلح صفة
للّهب، ولم يقل ريلكه ( لهب جافل) أي هارب أو سريع في الهزيمة
بل قال ( اللهب يأتي ndash; ترجمة حرفية ) ويمكن ترجمتُها بـ ( ينبعث اللهب ).
وحولها (متفرّجون) أو (مشاهدون) تتوقّد فيهم الحماسة وتتصاعد الحرارة، وليس (نظرات لاهبة).
لذا يمكن ترجمة ما تقدم كما يلي:
كما لو أنَّ في اليد عودَ ثـقابٍ متَّـقـداً، أبيضَ،
يبعث ألسـنةً مومضـةً في كلِّ اتجـاه
قبل أن ينـفجر إلى اللهيب -: يبدأ رقصُـها
الدائريّ في الدائرة التي حولـها
متفـرِّجون يغمرهم حماس، ولمعان وحرارة،
ثم ينتشـر مُشعشعاً في كلِّ مكان.
والقارئ يرى الفارق بين الترجمتين.
أما ترجمة حاج علي:
(وعندما تغدو الحماسة فاترة)
لا توجد في النصّ الألماني ولا أدري من أين أتى بها.
وترجمته:
ترسم البسمة في محياها تحية/ وتدق الأرض بقدمها الصغيرة المحنكةgt;.
فالنص الألماني هو:
und mit einem suuml;szlig;en
gruuml;szlig;enden Lauml;cheln hebt sie ihr Gesicht
und stampt sie aus mit kleinen festen Fuuml;szlig;en.
والذي ترجَـمَـتُه هي:
وبابتسـامة عذبـةٍ
مُحيِّـيَةٍ تـرفع وجهَـها
وتدمغه (تختـمُـه) بقـدمـين صغيرتين صَـلبـتـيْـن.
فهي تدمغ وجهَها وليس الأرضَ وبقدميها الاثنتين الصغيرتين وليس (بقدمها
الصغيرة المحنكة).
وهذا فارق كبير لمن يرى!
أما ترجمته للسّونيته رقم 1 من الجزء 2 :
(أتعرفني أيها الهواء/ يا من سوف تحل مكاني ذات يوم؟/ يا من سوف تكون لي حاجزاً زلقاً/ أو وعاء وديواناً لأشعاري.)
Erkennst du mich, Luft, du, voll noch einst meiniger Orte ?
Du, einmal glatte Rinde,
Rundung und Blatt meiner Worte.
الهواء، في النصّ الألماني، كان مليئاً بأماكن كانت للشاعر سابقاً، وليس أنّه ( الهواء) سيحل مكان الشاعر، كما جاء في الترجمة. وكذلك سوف لا يكون (حاجزاً لزقاً) للشاعر، بل هو قشرة ملساء أو ناعمة أو مصقولة في أحد الأيام. وكان (الهواء) الورقة والإطار لكلمات الشاعر. لذا يمكن أن تكون الترجمة برأيي كالآتي:
أتعـرفنُي يا هـواءُ ؟ أنتَ لا تزالُ مليئاً بأماكنَ كانت
لي ذاتَ يومٍ. أنتَ، قشرةٌ ملساءُ ذاتَ مرَّةٍ،
إطارُ كلماتي وورقـتُـها.
أرجو ألا يُؤخَذَ من هذه الملاحظات أنني أسيء الظَّنَّ بما ترجمه السيد سليمان حاج علي، إذ أنني، كما ذكرت آنفاً، لم أقرأ الكتاب، وهو يُشكَـر على أيّة حال لبذله جهداً لا أظنّه قليلاً في ترجمة ريلكه الصّعب جداً. ولكنّ الناقد لا يمكنه الجزم بـ (دقّة ترجمة وأمانتها)، ما لم يُحسن تلك اللغة المُتَـرجَمة. فقد تكون الترجمة جميلة تأخذ بالألباب، ولكنها خاطئة أو مُحوّرة عن الأصل.
التعليقات