بيروت:لمعت الفنانة اللبنانية quot;نيللي مقدسيquot; في البدايات باللون البلدي، الذي إشتهرت به القديرة quot;سميرة توفيقquot;، وإعتبرها البعض إمتداداً لها، ولكن بروح العصر الجديدة، حيث قدمت توزيعاً متطوراً، وصورة معاصرة لهذا النمط الغنائي، فلاقت نجاحاً لافتاً.
ولكنها بعد فترة غيرت خطها الغنائي لتماشي النمط التجاري السائد، عن أسباب هذا التغيير، التعثر، الصعوبات، والإصرار والمثابرة لإثبات الذات والتواجد، إحيانا ضمن شركة إنتاج، وأحيانا أخرى معتمدة على الإنتاج الخاص، وعن الهجمة الحالية من قبل نجوم الغناء على أرشيف العمالقة، وإعادة تجديده، كان هذا اللقاء الذي جمعنا بها في أحد المقاهي بمنطقة الزلقا:
نيللي بداية كيف تتقبلين النقد بشكل عام؟
تجيب مبتسمة، وبلهجة فيها الكثير من التساهل: عادي، تعودت على النقد، ولا يستفزني.
لنبدأ حوارنا عن أحدث مشاريعك الفنية مالذي دعاك للتفكير بتجديد أغنيات العمالقة الطربية تحديداً، ألا تعتقدين بأنها بمثابة خروج كامل عن لونك البدوي الذي إشتهرت به؟
لا أعتقد أن هناك فنان في العالم العربي ثابت على لون غنائي واحد، ولم يحد عنه ولو قليلاً، ما عدا قلة قليلة يمكن أن تعد على أصابع اليد الواحدة، ربما لأن صوتهم لا يناسب الواناً غنائية أخرى، أو ربما لأن إحساسهم لا يجيد التعبير بشكل غنائي آخر.
ولكنها تستدرك قائلة: طبيعي أن يكون هناك لون غنائي يميز نتاج الفنان، لكنه لا يفترض أن ينحصر به، لا ضير في التنويع بين الحين والآخر.
وتعود للحديث عن نفسها بالقول: في أول البوم يقدم الفنان الأقرب الى قلبه، والذي يحبه، ولا يبحث في هذه المرحلة عن التميز والتجدد، ولكنه مع التجربة والخبرة، يبدأ بتقديم الوان جديدة تستهوي شريحة أخرى من الناس قد لا تحبذ النمط البدوي مثلاً. أو ممكن أن يقدم لهجات أخرى يكرم بها شعوب العالم العربي كالمصرية والخليجية والتونسية وغيرها. وتنهي جملتها بالقول أنا لم أتقيد يوماً ما بنمط غنائي واحد، وإنما تميزت باللون البدوي، ولكني نوعت في نتاجي الغنائي بشكل عام.
بدايتك باللون البدوي خدمتك أم أضرت بكفنياً؟
اللون البدوي صنع لي أسمي، بالتالي لا أعتقد أن هناك ضرر من أي نوع.
لأنها وضعتك في إطار معين تقبله منك الناس، والإنتقال الى أنماط أخرى ربما لا يستهوي الجمهور الذي تعرف عليك بالبدوي فخسرته، كما أنك إنتقلت الى ملعب برع به آخرون، فكان التميز بينهم أصعب عليك، في الغرب مثلاًلكل فنان نمط غنائي وشخصية خاصة به لا تشبه غيره، يحافظ عليه كأساس حتى لو نوع قليلاً، بينما في العالم العربي الكل بات يشبه بعضه إن كان بالشكل، أو بالموسيقى...
أنا تميزت بالأساس، ولي لوني، وأنوع، ولا أشبه غيري من الفنانين من جيلي، عندما غنيت وصورت أعمالاً مثل quot;شوف العينquot; أو quot;شبكي شنوحاًquot; مثلاً. ولكن في مرحلة معينة تشعرين بأنه إذا لم يكن هناك تجديد في هذا اللون، الأفضل التوقف عن تقديمه، المشكلة ليست في أنا، المشكلة في الشعراء والملحنين في لبنان لا يتعاطون بالأغنية البدوية كثيراً، ويلحقون بالدارج اذا ضربت أغنية رومانسية تجدين الكل يلحن رومانسي، وإذا ضربت أغنية دبكة تجدين كل الألحان في السوق دبكة، من الصعب اليوم أن أجد من يكتب أو يلحن لي أغان بمستوى شوف العين أو شبكي شنوحاً.
من برأيك يصنع quot;الموضةquot; الغنائية؟
الأغنية الناجحة يلحق بها الجميع. الصناعة تلحق بما ينجح بين الناس. وهو خطأ لأنه يقتل التميز.
برأيك لو نجحت بتأسيس قاعدة جماهيرية كاسحة لك باللون البدوي قبل أن تحيدي عنه، ألن تكوني اليوم في موقع من يصنع الموضة الغنائية بدلاً من اللحاق بها؟
أنا لم احد عن البدوي قبل الأوان، قدمت أربع البومات بدوية، قبل أن أنتقل الى الوان غنائية أخرى، ولكن عنما أصل الى مرحلة لا أجد فيها لحناً بدوياً مميزاً، فأنا مجبرة على التغيير. برأيك مالذي دفع عاصي الحلاني الى التغيير عن اللون البدوي الذي إنطلق به؟...
ربما لأنه أراد اللحاق بلون عمرو دياب والموضة الغنائية التي درجت في تلك المرحلة؟
أو ربما لأنه عانى نفس ما عانيته أنا من شحة الأغاني المميزة بلونه الذي إشتهر به، كـ quot;وأني مارق مريت، أو ياميمةquot; أكيد لم يجد كلمة أو موضوعاً بنفس المستوى، مثلاً، فحاد عنه ليبقى متميزاً.
برأيك التجربة الطربية التي تقدمين عليها اليوم ستخدم تميزك؟
بالتأكيد.
مالجديد فيها؟ الكل يغني نفس الأغنيات ويعيد تجديدها، هل هذا تميز أم تعكز على نجاح السابقين؟ وهل هو تقليد لنجاح حققته بعض الأصوات المعاصرة لأغان قديمة؟
كل الفنانين بقديمهم وجديدهم يجددون أغنيات من سبقوهم، فما الذي يمنع أن أقدم أغنيات أحبها بصوتي؟ هل نعتبر فضل شاكر يقلد الوسوف إذا غنى لعبد الحليم أو أم كلثوم؟ لا أعتقد، الجميع يعمد لتجديد الأغنيات لست الوحيدة.
عندما يجدد شخص أغنية يحاول أن يختار أغنية ناجحة ولكن منسية، إختيارك لأغنية quot;مستنياكquot; بعد أن جددتها نانسي عجرم ونجحت بها، لا يضعك في مقارنة معها اليوم؟
quot;فلةquot; أيضاً غنت quot;مستنياكquot;، وقبل نانسي، هل وضع ذلك نانسي في مقارنة مع فلة لا أعتقد. كما أنني لم أجدد أغنية واحدة أنا أستعد لطرح البوم طربي كامل فيه مجموعة أغنيات من هذا النوع. الأغاني القديمة ليست حكراً على أحد. المقارنة تكون بالأعمال الجديدة وليس بالتراث الغنائي. ويفترض أن نلقى التشجيع من الإعلام لأننا نعرف الجيل الجديد بهذه الأغنيات.
كثر غنوا لوردة ولم ينجحوا مثلاً؟
لا أقدم هذه الأغاني لأنجح أو أفشل، أقدمها لمتعتي الشخصية إذا صح القول طالعة من قلبي وإحساسي ببساطة. ولن أكتفي بالمصري، سأجدد لسميرة توفيق، سمير يزبك، وطوني حنا وغيرهم... ربما فلكلور خليجي أو عراقي أو تونسي الخ ...
عندما نجد هذه الهجمة من أغلب نجوم الغناء اليوم على المكتبة القديمة، هل هو إعلان غير مباشر منكم جميعاً على إفلاس ملحني وشعراء هذا الزمان؟
ليس بالضرورة، فأنا أجدد الأغنيات، بعد أن طرحت مؤخراً أغنية معاصرة جديدة لي، وبعد مشروع التجديد، ستكون هناك أغنية أخرى حديثة.
هل ستحافظين على طول الأغنية الأصلية أم ستعمدين الى تقصيرها لتجد مساحة للعرض على الفضائيات الغنائية المزدحمة بالأغاني المدفوع ثمن إذاعتها، فالهواء بات مشترى اليوم؟
لا بالتأكيد سنعمد الى إختصار زمنها وتقديم quot;كوبليهينquot; منها فقط.
ويتدخل والدها ومدير أعمالها السيد quot;ميلاد مقدسيquot; في الحديث قائلاً: سترين صورة تحاكي روح العصر الذي صنعت فيه الأغنية، نحن نستحضر الماضي الجميل من خلال هذا المشروع بكل تفاصيله.
وتضيف نيللي: عمدنا الى هذا الأسلوب تحية للزمن الجميل وإحتراماً لرموزه.
كيف تدبرين أمورك إنتاجياً اليوم بعد أن إنفصلت عن شركة إنتاجك السابقة روتانا؟
وضع الشركات بشكل عام سيء، وكلنا تحت أمر واقع واحد إن روتاناشركة الإنتاج الوحيدة التي بقيت شئنا أم أبينا، وهناك فنانين كثر مثلي قرروا الإبتعاد عن روتانا وتكملة طريقهم لوحدهم، حتى لو كانت التكلفة باهضة، وهناك من قرر البقاء لأنها ترفع عنه عبء الإنتاج، وبقي على حساب طموحه الفني، أنا من الأشخاص الذي غادروا.
روتانا قصرت معك؟
مادياً لا.. معنوياً نعم. ولكن بدون قصد.
بما أنهم اعطوك المادة وانت عندك الذكاء والرؤية الفنية ماذا تريدين اكثر لتنجحي؟
انا لم أدخل روتانا وكنت ناجحة ومحققة شهرتي خارجها كإليسا مثلاً، دخولها لروتانا كان تحصيل حاصل لتستمر بحياتها الفنية، أنا بدأت حياتي الفنية داخل روتانا، أول ألبوم لي كان معهم، حققت نجاحاً، ولكن الحصرية لم تخدم إنتشاري الكامل، وشخص في بداياته يحتاج أن يصل لكل الجمهور وليس جمهور محطة معينة، هذا الشيء عطل إنتشاري كثيراً.
اليوم أنت خارج روتانا هل تشعرين أن هناك فرقاً؟
أكيد ولست وحدي من تشعر بالفرق ناحية الإنتشار، عندما يصدر لي عمل أجد أن كل الناس تعرف بذلك، في السابق كنت أصدر عملاً أجد الناس تسألني أين أنت؟ لم نر لك شيئاً جديداً من زمان.
طيب لكن في المقابل أنت تتكلفين اليوم ثمن إنتاج أعمالك؟
يهون الثمن طالما أن العمل الذي تتعبين عليه يصل الى أكبر شريحة. ما فائدة ان ينتج لي عمل ولا يجد انتشاراً؟
كنت تدفعين من جيبك الخاص؟
في الأغاني السابقة كانت شركة quot;لايف ستايلزquot; تنتجها، وهي شركة سعودية تنتج لأكثر من فنان.
مرتاحة معهم؟
نعم... وهم مولوا أيضا مشروع الأغاني القديمة.
ما هي تفاصيل تعاونك معهم أغان منفردة أم البومات كاملة؟
لم أوقع عقداً معهم، ينتجون أغان منفردة، 3 في السنة.
كيف يسترجعون أموالهم؟
هذا الأمر لا يعنيني، أنا طلبت صيغة للتعاون وهم وافقوا عليها. ربما يحاولون التأسيس لإسم الشركة.
هل يصرفون على دعم الأغاني وتسويقها؟
نعم، وأصبحت الشركة تنتج لعدد لابأس به من الفنانين كدينا حايك، وشذى حسون، وليد توفيق، وغيرهم. وتضيف ضاحكة: والمهم أنهم لا يملكون محطة تلفزيونية.
هل تعتقدين بأن زمن النجاح الكاسح إنتهى؟ لم نعد نشعر اليوم أن هناك أجداً يحقق نجاحاً كاسحاً كما في السابق؟
لم يعد هناك مقياس اليوم نعيش زمن الأغنية الناجحة.. تنتشر على جميع الإذاعات لمدة شهر ثم تنتهي.
لا اتحدث عن الأغنيات التي تبث مقابل مبلغ مادي لشهر وتنتهي، اتحدث عن نجاح اغنية في جميع الدول العربية، كما كان يحدث في السابق دون دعم مادي، اغنية يرددها الكل من المحيط الى الخليج؟
لا هذا الأمر لم يعد يحصل اليوم إلا ما ندر. لأن الساحة باتت مزدحمة، والجمهور مصاب بالتخمة، والفنان حائر ما الذي يمكن أن ينجح مع الجمهور، وأحياناً أبتعد، لأنني أسعى لتقديم شيء جميل.
لأن الإنتاج في العالم العربي يحصل بشكل عشوائي دون دراسة ودون إشراف من متخصصين؟
وأين سنجد هؤلاء المتخصصين في العالم العربي؟ إن كنت تعرفينهم دليني عليهم أرجوك. يفترض بشركات الإنتاج أن تضم هؤلاء المتخصصين. لذلك على الناس أن تقول برافو لنا لأن النجاح الذي نحققه نحققه بصعوبة، بدون دعم، وبدون إدارة متخصصة، وبدون خبراء يرفعون عنك الحمل.
التعليقات