إيلاف من بيروت: ستصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي في النهاية أكثر ذكاءً من البشر. ومع استمرار تقدم هذا الذكاء الاصطناعي، ستصل الآلات إلى مستوى الذكاء البشري وتتجاوزه، فتكون شكلاً جديداً من الحياة لا يعتمد على علم الأحياء. هذا ما يقوله ماكس تيغمارك في كتابه الجديد الحياة 3.0: البشر في عصر الذكاء الاصطناعي Life 3.0: Being Human in the Age of Artificial Intelligence (384 صفحة، منشورات فينتاج، 16 دولارًا)، الذي يناقش فيه تأثير الذكاء الاصطناعي في مجتمعنا واقتصادنا وفي مستقبل الحياة البشرية.

يستكشف تيغمارك جوانب مختلفة من الذكاء الاصطناعي: تاريخه، التطورات المستقبلية المحتملة، المخاوف الأخلاقية، المخاوف المتعلقة بالسلامة التي تنشأ عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تقدمًا. ويشير إلى ما يسميه "الحياة 3.0" كمرحلة يتم فيها دمج البشر والذكاء الاصطناعي، وهذا يسمح بأن يصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من حياتنا، ويشكل ثقافتنا وقيمنا، وحتى تركيبتنا البيولوجية.

الكتاب مقسم في فصول عدة، يركز كل منها على جانب مختلف من الذكاء الاصطناعي وآثاره. يناقش المؤلف إمكانية الذكاء الاصطناعي الفائق الذكاء، وتأثير الذكاء الاصطناعي في الوظائف والاقتصاد، والعواقب المحتملة للذكاء الاصطناعي على القيم والأخلاق البشرية. كما يستكشف سيناريوهات مختلفة لمستقبل البشرية، من الرؤى المثالية إلى النتائج الكارثية.

أكثر ذكاءً بعد

كتاب "الحياة 3.0 غني بالمعلومات وجذاب بأسلوب سهل وواضح. أحد أقوى جوانبه هو اتساع نطاق تغطيته، وباستكشافه الأسئلة والسيناريوهات الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. يشجع المؤلف القراء على التفكير في العواقب المحتملة للذكاء الاصطناعي على القيم والأخلاق والسلامة الإنسانية. هذا النهج المثير للتفكير يجعل الكتاب أكثر من مجرد قراءة إعلامية ؛ كما أنها بمثابة دعوة إلى العمل للقراء للتعامل مع هذه القضايا الحرجة. قد يجد بعض القراء أن الطبيعة التخمينية لأجزاء معينة من الكتاب أقل جاذبية، حيث يتعمق تيغمارك في سيناريوهات مستقبلية مختلفة ونتائجها المحتملة. مع ذلك، فإن هذه التكهنات ترتكز على الأبحاث والاتجاهات الحالية، ما يجعلها قيّمة لإثارة النقاش.

وبحسب تيغمارك، سيشكل الذكاء الاصطناعي الخارق مستقبل الحياة في الكون. وما إن تصبح الآلات أكثر ذكاءً من البشر، "محتمل أن تصبح أكثر ذكاءً من البشر بسرعة كبيرة"، كما يقول. ويمكن هذا الذكاء الخارق أن يساعد البشرية في مواجهة أقسى تحدياتها، لكنه يشكل أيضًا مخاطر على البشر التفكير فيها بجدية. يقول المؤلف: "يجب أن نتحلى بحذ استباقي بشأن الذكاء الاصطناعي المتقدم، وأن نبدأ في معالجة مخاطر الذكاء الاصطناعي الفائق الآن، وليس بعد فوات الأوان، حتى أننا نحتاج إلى البحث في كيفية مواءمة أهداف الذكاء الاصطناعي مع القيم والأولويات الإنسانية".

المهارات هي المفتاح

يتوقع تيغمارك أن يحول الذكاء الاصطناعي المتقدم اقتصادنا وسوق العمل: إلغاء العديد من الوظائف، وإنشاء وظائف جديدة. يقول: "المفتاح تزويد الناس بالمهارات التي يحتاجونها للنجاح في اقتصاد قائم على الذكاء الاصطناعي". يضيف: "سوف يثير الذكاء الاصطناعي أسئلة أخلاقية علينا التعامل معها. كيف يتم التلاعب بأنظمة الذكاء الاصطناعي، ومعالجة المخاوف المتعلقة بالخصوصية والتحكم والاستقلالية في الأنظمة فائقة الذكاء.. هذه بعض المشكلات التي نحتاج إلى حلها. ونحن بحاجة إلى تعاون عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي. كما يتطلب تطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول تعاونًا بين الباحثين وصناع السياسات في جميع أنحاء العالم. لا يمكن لدولة واحدة معالجة هذه القضايا بمفردها".

في النهاية، يؤكد تيغمارك سيطرة البشر. يقول: "ربما يكون المستقبل عبارة عن شراكة وتكافل بين البشر والذكاء الاصطناعي، حيث يحافظ البشر على الإشراف والسيطرة على الأنظمة المتقدمة".

ختامًا، قراءة هذا الكتاب واجبة، خصوصًا للمهتمين بمستقبل الذكاء الاصطناعي وتأثيره المحتمل في المجتمع البشري. فمؤلفه يقدم منظورًا مدروسًا جيدًا ومتوازنًا ومحفزًا للتفكير حول الذكاء الاصطناعي، ما يشجع على التعامل مع المخاوف الأخلاقية والمتعلقة بالسلامة التي تنشأ عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تقدمًا. فسواء أكنت خبيرًا في هذا المجال أم مهتمًا بالذكاء الاصطناعي فحسب، يوفر الكتاب موردًا قيمًا لفهم هذه التكنولوجيا التحويلية وآثارها في البشرية.