إيلاف: صدر حديثًا عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في المغرب "الكتاب الأبيض حول الصحراء المغربية"، باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية، وذلك بعد صدور مسرد مصطلحات متعدد اللغات بشأن القضية نفسها، على أن تصدر قريبًا النسخة الأمازيغية.

بحسب تعريف المعهد، يعود الكتاب الأبيض هذا إلى أصول النزاع المفتعل بشأن الصحراء المغربية، "ويذكر بأسس سيادة المغرب على هذا الإقليم، كما يقدم الوضعية الحالية للساكنة التي تعيش فيه، ويسلط الضوء على التقدم في مجال التنمية بفضل الجهود التي يبذلها المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس، حيث تتناقض الظروف المعيشية في الصحراء المغربية بشكل خاص مع وضعية الهشاشة والضعف في مخيمات تندوف".

صراع مصطنع

يقع هذا الكتاب في 65 صفحة، ويضم مقدمة وأربعة فصول مسهبة وخاتمة. وهو مذيل بتسلسل زمني مفصل للأحداث، وبقائمة مراجع غنية تضم أكثر من 130 مرجعًا، يعود معظمها لمؤلفين أجانب.

في مقدمة الكتاب، كما في متنه، تشديد على أن هذا النزاع في الصحراء المغربية مفتعل. تقول المقدمة: "إن قضية الصحراء صراع مصطنع لا تواجه فيه المملكة المغربية حركة انفصالية مسلحة فقط، أي جبهة البوليساريو، بل تواجه فيه في الواقع وقبل كل شيء الجزائر التي تستغل تلك الحركة وتدعمها بكل الوسائل، عسكريًا ودبلوماسيًا وماليًا، وكذا عن طريق وسائل الإعلام... وقد أدى استمرار هذا النزاع إلى إطلاق مسلسل أممي في إطار منظمة الأمم المتحدة، بطلب من المغرب، بهدف تسويته سلميًا".

في الفصل الأول، "التفكيك الاستعماري للإمبراطورية الشريفة (المغرب) في القرنين التاسع عشر والعشرين"، يتحدث الكتاب في مباحث عدة تتناول الدولة بحدود معترف بها عند خضوعها للاستعمار، واعتراف القوى الاستعمارية بسيادة الإمبراطورية الشريفة على الصحراء، وانتهاك هذه القوى الاستعمارية مبدأ حسن النية بإنكارها الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، ومطالبة المغرب الدائمة بسيادته على الصحراء، واسترجاع المغرب الصحراء طبقًا للقانون الدول، وتقسيم الصحراء بين المغرب وموريتانيا لبناء المغرب الكبير، ومغربية قبائل الصحراء من حيث استحالة التمييز بين سكان الصحراء وبقية سكان المغرب وبيعة وولاء القبائل الدائمين لسلاطين المغرب، وإعطاء صبغة دولية لقضية الصحراء، وقيام البوليساريو، ومشروعية الطرح المغربي على المنابر الأممية، والمبادرة المغربية للحكم الذاتي الموسع في الصحراء كتجسيد لحق تقرير المصير.

نقطة مراقبة مغربية في الصحراء

يأتي في هذا الفصل أن "اختزال التمايز العرقي بين سكان الصحراء وبقية سكان المغرب في استخدام الحسانية بدل اللهجة البربرية أو الدارجة، وفي التناقض بين نمط عيش الرحل ونمط آخر قائم على الاستقرار، يعد جهلا وإنكارا لهوية المغرب المتعددة، المصونة طوال التاريخ والمكرسة في دستور البلاد وعاداته، حيث أن للهوية المغربية الحالية طابع شامل، فهي تتشكل من مجموعات سكانية مختلفة للغاية عن بعضها البعض، من عرب وأمازيغ ومسلمين ويهود".

الرؤية الملكية التنموية
يتناول الفصل الثاني، "الوضع الراهن في الصحراء المغربية"، الرؤية الملكية السامية بخصوص مغربية الصحراء، وأولوية التنمية اللامركزية ودينامية هذه التنمية برعاية الدولة المغربية، وتثمين الموارد الطبيعية خدمة للساكنة. كما يتناول مسألة الإنسان في صميم استراتيجيات التنمية الوطنية والجهوية، وتشبث الصحراويين ببلدهم المغرب.

بالأرقام، يستعرض هذا الفصل النمو الاقتصادي الذي تحققه أقاليم الجنوب، فبين عامي 2013 و2019، بلغ متوسط معدل النمو السنوي للأقاليم الجنوبية ما يقرب من 6 في المئة، متجاوزا معدل النمو الاقتصادي الوطني المغربي البالغ 3.3 في المئة سنويًا.

مروحية للقوات الدولية في الصحراء المغربية (مينورسو) في الكركرات الحدودية مع موريتانيا، في 25 نوفمبر 2020

فقد استثمر المغرب بين عامي 1975 و2013 قرابة 120 مليار درهم في البنى التحتية والإدارة والمواصالات والاتصالات والكهرباء والماء والتعمير والإسكان والصحة، في الصحراء المغربية، وذلك بغية تحسين مستوى عيش السكان وتمكينهم من بلوغ نفس المستويات التي تشهدها الجهات الأكثر تطورا. وبحسب الكتاب، شكل عام 2013 نقطة تحول في الصحراء المغربية، حين أطلق الملك المغربي محمد السادس النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية لتمويل مشاريع مهيكلة، "بميزانية تناهز 77 مليار درهم، أي تفوق 7 مليارات دولار". وبعد نحو 7 أعوام، "بلغت النفقات التي تم تنفيذها 80 في المئة من الميزانية المخصصة لمشاريع النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية، وشملت استكمال الطريق السريع تزنيت الداخلة وربط الأقاليم الجنوبية بشبكة الكهرباء الوطنية وتعزيز شبكات الاتصالات وبناء محطات الطاقة الشمسية والريحية، كما تم الانتهاء من الدراسات والإجراءات الإدارية المتعلقة بتشييد ميناء الداخلة الأطلسي".

تندوف: العبودية الجديدة
يتصدى الفصل الثالث، "الوضعية في مخيمات تندوف تحت نير البوليساريو وتحت مسؤولية الجزائر في الواقع"، لمسألة تندوف من حيث هي جيب خارج عن القانون فوق التراب الجزائري، ولإغلاق المخيمات لعزل سكانها، وتأجيل مسألة الحقوق والديمقراطية إلى أجل غير مسمى، وإنكار حقوق الطفل والمرأة، واستمرار العبودية، والرفض القاطع لأي معارضة وقمعها، والاستيلاء على المساعدات الإنسانية وتحويل مسارها، وانتهاكات حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا. كما يبحث في تمثيلية الانقسامات داخل البوليساريو، وهذه الجبهة من حيث هي عامل لزعزعة الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء.

تحولت مخيمات تندوف تحت نير البوليساريو إلى بؤر للقمع

جاء طي هذا الفصل: "تأوي هذه المخيمات جانحين فارين أو صحراويين جزائريين ومواطنين منحدرين من جنوب الصحراء، يختلف عددهم وفقًا للظروف، حيث يتم جلبهم إلى المخيمات لزيادة عدد السكان بغرض الحصول على مساعدات إنسانية أو لخدمة أهداف الجزائر السياسية ضد المغرب".

يضيف الكتاب هنا أن أشخاصًا آخرين يقيمون في الخارج يحتفظون بـمنازلهم في المخيمات، ولا يأتون إليها إلا في أوقات معينة، ومن بين هؤلاء أطر وممثلو البوليساريو، مع التأكيد أن الأغلبية العظمى من سكان مخيمات تندوف "رهينة للمساعدات الإنسانية الدولية وتعيش ظروفًا صعبة للغاية، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع نوعية حياة الصحراويين المغاربة في الأقاليم الجنوبية للمغرب".

تعنت جزائري
في الفصل الرابع والأخير، "الجزائر: طرف رئيسي في نزاع الصحراء"، يتحدث الكتاب عن استغلال الجزائر لهذا النزاع، وتعنتها وإصرارها على استمراره على حساب التنمية المغاربية، إضافة إلى رفض الجزائر المنتظم لمبادرات اليد الممدودة المغربية. يأتي في هذا الفصل أن الجزائر تستغل نزاع الصحراء "من خلال إنشاء جمهورية وهمية وإيجاد دولة تابعة، قائمة على العنف"، وذلك لفصل المغرب عن جذوره الإفريقية.

الحدود المغربية - الجزائرية في 4 نوفمبر 2021

يتجسد تعنت الجزائر في التصريحات الرسمية للقادة الجزائريين الرافضين للمبادرات الأممية والمغربية المتعلقة بحل النزاع، وفي كواليس منظمة الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية والإقليمية، وخلال المناقشات المتعلقة بتدابير بناء الثقة التي كانت تشرف عليها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وفي الرفض الجزائري المنتظم لمبادرات اليد الممدودة المغربية، بالرغم أن الملك محمد السادس أعرب دائمًا عن رغبته في العمل مع الجزائر من أجل علاقات أفضل وبناء مغاربي، لاسيما تأكيده في عام 2018 على "التزامنا بالعمل، يدًا في يد، مع إخواننا في الجزائر، في إطار الاحترام الكامل لمؤسساتها الوطنية"، وتجديده مبدأ اليد الممدودة للجزائر في خطاب العرش في 30 يوليو 2022، علمًا أن الجزائر قطعت علاقاتها مع المغرب من جانب واحد.

في الختام، يعيد الكتاب التأكيد على أن النزاع حول الصحراء المغربية "نزاع مفتعل وناجم عن إرادة القوى الاستعمارية إضعاف الإمبراطورية الشريفة التي كانت تشكل، خلال القرون الماضية، قوة سياسية وعسكرية كبية تهدد هيمنتها على حوض البحر الأبيض المتوسط".

يضيف الكتاب: "أعقب ذلك تفكيك منهجي لأراضي الإمبراطورية الشريفة ومحاولات عديدة لتقسيمها، وكان فصل أراضي الصحراء المغربية عن المغرب أحد الأمثلة على هذا الأمر فقط".

لتحميل "الكتاب الأبيض حول الصحراء المغربية"، أنقر هنا