تقدم ممثلة إسرائيلية وباحث أميركي من أصل فلسطيني روايتين مختلفتين، إحداهما أكثر رفضًا من الأخرى
إيلاف من بيروت: الحرب بين إسرائيل وحماس لم تبدأ في 7 أكتوبر. فمتى بدأت؟ يحاول كتابان وصلا إلى قمة قوائم الكتب الأكثر مبيعًا في الأسابيع الأخيرة الإجابة عن هذا السؤال، من خلال تواريخ متباينة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يحتل حاليًا المرتبة الثالثة في قائمة أفضل الكتب مبيعًا للكتب غير الخيالية التي تصدرها صحيفة نيويورك تايمز كتاب المؤرخ الفلسطيني الأميركي رشيد الخالدي "حرب مئة عام على فلسطين: تاريخ الاستعمار الاستيطاني والمقاومة، 1917-2017" (The Hundred Years’ War on Palestine: A History of Settler Colonialism and Resistance, 1917-2017)،الذي يعتمد على البحث العلمي. وفي المرتبة الخامسة في القائمة يأتي كتاب "إسرائيل: دليل بسيط لأكثر دولة يساء فهمها على وجه الأرض" (Israel: A Simple Guide to the Most Misunderstood Country on Earth) من تأليف الممثلة والمبعوثة الإسرائيلية السابقة نوا تيشبي، وهو عبارة عن ملخص للأساطير الوطنية الإسرائيلية.
على الرغم من أن عمر الكتابين بضع سنوات، إلا أن الأميركيين يتجهون إليهما لفهم كيف ولماذا يمكن حماس أن تشن هجمات على إسرائيل أسفرت عن مقتل 1200 شخص واختطاف 242، وكيف يمكن إسرائيل الرد بهجوم على غزة أدى إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص. وتُظهِر الشعبية الحالية للكتابين أن الأميركيين يريدون الغوص في تاريخ هذه اللحظةــ لكن إلى أن ينجحوا في ذلك، فإنهم يختارون جانباً ما. مع ذلك، فإن قراءتهما معًا توضحان أن الحرب كانت في طور التكوين منذ قرن.
كتاب تاريخي
ينخرط الخالدي في نقد ذاتي دقيق، ويجري مقابلات مع دبلوماسيين سابقين لفهم كيف تفوقت إسرائيل على منظمة التحرير الفلسطينية في التسعينيات، خلال عملية أوسلو التي أعقبت مدريد، وكيف أصبح عرفات والحرس القديم منفصلين عن الجيل الجديد للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. ويستخدم إطار الاستعمار الاستيطاني لشرح نجاح الحركة الصهيونية في الاستيلاء على الأرض وإفراغها من سكانها. يقرأ المصادر والوثائق الأولية التي تنقل سياسات التهجير والتطهير العرقي والفصل العنصري، ليبين كيف منعت إسرائيل قيام فلسطين المستقلة خلال ست فترات تاريخية تشكل حربًا دامت قرنًا ضد الفلسطينيين.
يمكن المؤيدون لإسرائيل أن يستفيدوا من هذا التاريخ لفهم جذور حرب اليوم. بدلا من ذلك، قد يقرأون ما تسميه تيشبي نفسها "كتابا تاريخيا". وهي منتجة وممثلة إسرائيلية حققت نجاحا كبيرا في هوليوود، وعملت كمبعوثة إسرائيلية خاصة لمكافحة معاداة السامية. يبدأ كتابها بتعزيز الروابط الكتابية والدينية للشعب اليهودي بـ "قطعة صغيرة من أرض أجداده"، ثم يسرد بالتفصيل معاداة السامية في أوروبا. في هذا الكتاب، كانت فلسطين "فارغة" وكان العرب يحاولون دائمًا "محو الدولة اليهودية الجديدة من الخريطة". إنها تنفق مساحة أكبر في انتقاد الأمم المتحدة وعملها في مجال مساعدة اللاجئين للفلسطينيين أكثر من فهم كيف ولماذا شردت إسرائيل الفلسطينيين. في نهاية الكتاب، يصبح هدف تيشبي واضحًا: هذا دليل لمواجهة حركة المقاطعة الفلسطينية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
كانت فارغة!
تقول تيشبي إن ادعاءات الفلسطينيين بأنهم مواطنون أصليون لا تصح وأن المشروع الصهيوني لا علاقة له بالاستعمار، فيما يعود الخالدي إلى أقوال مؤسسي إسرائيل وأفعالهم ليحدد تاريخ الفلسطينيين الذي لم يدرسه معظم الأميركيين. تقول نوا تشبي إن صحوتها جاءت خلال مسألة أسطول غزة في عام 2010، عندما أبحر ناشطون من تركيا لكسر الحصار على غزة بمواد إنسانية، وصعدت القوات الإسرائيلية على متن القوارب وقتلت تسعة أشخاص. في ذلك الوقت، لم تكن الحكومة الإسرائيلية قد أدركت بعد قوة وسائل التواصل الاجتماعي وحقيقة تغيير التصورات العالمية حول احتلالها. كتبت: "كانت مشاكل العلاقات العامة في إسرائيل على وشك التحول إلى تهديد وجودي". وسرعان ما كانت تطلع الجيش الإسرائيلي على الإستراتيجية الرقمية وأصبحت سفيرة غير رسمية.
تؤكد تيشبي نوا للقراء أنها ليبرالية ووسطية يسارية ونسوية، لكنها تكرر من دون إنكار غولدا مائير السيئ السمعة لوجود الفلسطينيين، وتشير إلى ما يلي: "لم تكن هناك على الإطلاق هوية وطنية أو دينية أو سياسية فلسطينية متماسكة". كذلك، تكرر تيشبي أن إسرائيل ليست دولة مثالية، لكنها ترى أن إسرائيل ديمقراطية شاملة للجميع، وأخطاؤها ليست نظامية أو متعمدة، لكنها تخضع ببساطة للكثير من التدقيق الدولي. ويدرك الخالدي ذلك ويشير إلى أن سمعة إسرائيل في الخارج هي "في بعض النواحي أهم أصولها". وكثيراً ما يعود إلى مشكلة العلاقات العامة للفلسطينيين، وتحديداً أن عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية لم يفهما أهمية الرأي العام الأميركي بالنسبة لقضيتهما، وبالتالي فشلا في حشده.
لكن رواية تشبي لا يمكنها التعامل مع الفلسطينيين الحقيقيين لأنها ستقوض منظورها بالكامل. الأكثر عدوانية هو الطريقة التي تصف بها عام 1948، الكارثة التي يسميها الفلسطينيون "النكبة". وهي تؤكد على "إعادة التسمية المفاجئة" للنكبة، والتي اكتسبت رواجاً قبل عقدين من الزمن عندما افتتحتها منظمة التحرير الفلسطينية كمناسبة سنوية في عام 1998. وهي تعتمد على صيغة المبني للمجهول لنقل النسخة الأسطورية الإسرائيلية الرسمية لحرب استقلال إسرائيل: "لقد أُريقت الدماء وارتكبت الفظائع وتم طرد العرب". من جانبه، يتعمق الخالدي في الحديث عن "التحول العنيف" الذي حدث في ذلك العام، وأبرزه التطهير العرقي وسرقة الأراضي التي شكلت مؤسسة إسرائيل. ويتناول بالتفصيل "الفراغ السياسي بعد النكبة" الناجم عن الانقسام العربي والسياسة الفلسطينية الداخلية المعقدة، والتي يميل تيشبي إلى رفضها باعتبارها فوضى عارمة ومؤشرًا على غياب الهوية الفلسطينية الحقيقية أو المطالبة بالأرض.
ماذا عن غزة اليوم؟
نُشر الكتابان قبل هجمات حماس في 7 أكتوبر، لكن ماذا يقولان عن غزة، وكيف ستنتهي هذه الحرب؟ ينتقد الخالدي حماس، وهجماتها العشوائية على المدنيين الإسرائيليين، وتقويضها القضية الفلسطينية بالعنف الذي تمارسه. كما يتتبع العقيدة العسكرية الإسرائيلية المتمثلة في القوة غير المتناسبة والكمية الهائلة من الأسلحة الأميركية الممنوحة لإسرائيل. الأمر الأكثر فائدة للقراء هو شرحه اللحظات التي لا تتعلق مباشرة بغزة لكنها تشرح إلى أين يمكن أن تصل هذه الحرب، مثل تحول منظمة التحرير الفلسطينية من جماعة مسلحة إلى شريك إسرائيل في التفاوض. إن تجربته في النجاة من الهجوم الإسرائيلي على بيروت في عام 1982 توازي بشكل مخيف الروايات التي تخرج من غزة اليوم. وتركز أوصاف تشبي لغزة بشكل أساسي على تصميم حماس على تطبيق "الشريعة الإسلامية" هناك وعلى الصواريخ التي أطلقتها على إسرائيل. إنها توبخ طلاب الجامعات لاحتجاجهم ضد إسرائيل لكن ليس ضد حماس. ربما ينبغي على تشبي أن تقرأ كتاب الخالدي كي تفهم من أين أتت حماس: أجيال القادة الفلسطينيين الذين اغتيلوا، وأخطاء الدول العربية، وقسوة الاحتلال الإسرائيلي.
ترى تيشبي أن الفلسطينيين رفضوا مناشدات السلام الإسرائيلية عند كل منعطف، فيما يقول الخالدي إن العملية السابقة نحو حل الدولتين كانت دائمًا مزورة لصالح إسرائيل، وبينما يشكك في نهج منظمة التحرير الفلسطينية، يخلص إلى أن "سلسلة لا تنتهي من الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب، المدعومة بقوة الولايات المتحدة، حولت السلطة الفلسطينية إلى مقاول من الباطن". الاحتلال الإسرائيلي وليس حركة التحرير. تكتب تيشبي: "سيتطلب ظهور الدولة اليهودية محرقة". يتساءل المرء عن مقدار الموت الذي قد يتطلبه ظهور دولة فلسطينية في غزة.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها جوناثان غوير ونشرتها "غارديان" البريطانية
التعليقات