مروة كريدية من دبي: أدّى اختلال توازن القيم الاخلاقية في المهن الطبية الى تحويل بعض المرافق الصحية والمراكز الطبية الى سوق تجارية تَحَوّل فيها المريض الى مستهلك للعقاقير والأدوية والمنتجات الطبية و خاضِعا في كثير من الاحوال لعمليات جراحية غير آمنة، مما ساهم في زيادة نسبة الأخطاء الطبية بشكل كبير في مختلف دول العالم والتي قاربت 20 % وفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية .

وفيما تعمل وزارة الصحة الاماراتية بجدية كبيرة وصرامة متناهية من اجل ضبط المعايير الأخلاقية والعملية للمهنة، تطالعنا الأخبار المحلية بالعديد من الحالات التي تعرّض فيها المرضى لحالات الخطأ الطبي او الاهمال حيث قاربت نسبة الاخطاء الطبية في جميع مستشفيات الامارات 8% وهي نسبة quot;معقولة quot; مقارنة بالدول الأخرى حيث بلغت نسبة الخطأ الطبي في كندا 24 % و حوالي 14% في الولايات المتحدة .

عارضة أزياء تموت بعد حقنها بمادة جيلاتينية لتكبير ثدييها

ربما تمر العديد من الأخطاء الطبية quot;البسيطةquot; دون محاسبة ولا تصنف في دائرة الخطأ غير ان محاكم دبي تشكلّ فيصلا لا تهاون فيه تجاه اية قضية تتعلق بسلامة وصحة البشر ، ومن ابرز هذه القضايا حكم صدر اواسط اغسطس الماضي قضت بموجبه محكمة التمييز بمعاقبة مستشارة تجميل لبنانية وطبيب تجميل فرنسي، فقضت بالحبس ثلاثة شهورعلى المستشارة وتغريمها 3000 درهم، إضافة إلى إلزامها بتسديد 200 ألف درهم دية شرعية بالتضامن مع الطبيب، عن تهمة المشاركة بالخطأ في موت عارضة أزياء بيلاروسية ، كما حكمت محكمة الجنايات غيابيا بحبس الطبيب quot;الفارّquot; سنة وتغريمه 3000 درهـم، إضافة إلى إلزامه بدفع 200 ألف درهـم ديـة شرعـية بالتـضامن مـع مسـتشارة التجـميل ، كما أمـرت المحكمة بإغلاق المركز التجميلي الذي أجريت فيه العملية، مع مصادرة كافة المواد والمعدات .

وكان تقرير الطبيب الشرعي قد أفاد بان سبب الوفاة إصابة المجني quot; بتلوث بكتيري في الدم أدى الى الوفاة quot; وهو ناجم عن حقن الضحية بمواد جيلاتينية في أنسجة الثديين كما اثبتت نتائج الفحص التشريحي والمخبري الواردة في أمر الإحالة بوجود آثار حقن مع كدمات بالعضلات والأنسجة ووجود تلوث بكتيري بالدم لا يمكن معالجته ، أدى إلى فشل وظائف الكبد والكلى، بالإضافة إلى حدوث تغييرات على جثة المجني عليها، واصفرار عموم جسدها وازرقاق في يديها .

بالعودة الى تفاصيل القضية فان الطبيبة العاملة كاستشارية تجميل في احد المراكز الطبية بدبي قد قامت مع طبيب التجميل الفرنسي الزائر الى الدولة ، بحقن المجني عليها بمادة من اجل تكبير ثدييها مقابل مبلغ 45 ألف درهم. وبعد اجراء العملية ب48 ساعة بدأت المضاعفات تظهر عليها من ارتفاع درجة حرارتها واصفرار بشرتها و شعورها بالغثيان، فاستدعت الطبيب ومستشارته الذين حضرا الى شقتها وأزالا الضماد الطبي وأعطاها حقنة مؤكدين لها ان اعراض عادية وانها ستتحسن.

ثم تفاقمت الامور فظهر الازرقاق في يديها مع رغبة مستمرة بالتقيوء فحضرت الطبيبة اللبنانية مع ممرض فرنسي ونقلاها الى مستشفى الامارات الذي اشار فريقه الطبي الى عدم توافر الاجهزة الكافية للمعالجة والانقاذ ، فقامت المتهمة بطلب سيارة اسعاف تابعة لشرطة دبي ونقل الضحية إلى المستشفى الأميركي حيث اعلن فريقه الطبي فور معاينة الحالة بأن وضع المريضة حرج وستفارق الحياة خلال ساعتين وانهم لن يتمكنوا من فعل شيئ سوى اعطائها مخدر من اجل مساعدتها على الوفاة دون ألم .

وبالاطلاع على سجلات الطبيب الفرنسي الزائر تبين ان هيئة الصحة في دبي قد رفضت طلبه بالترخيص للعمل كأخصائي تجميل لعدم قدرته على اجتياز اختبارات الهيئة حيث كان قد تقدم بذلك مابين عام 2005 .
طفل يلاقي حتفه نتيجة الاهمال

واقعة اخرى حصلت مؤخرا في امارة الشارقة حيث توفي الطفل طاهر دويكات (فلسطيني) نتيجة الاهمال الطبي متأثراً بإصابته بالآم مبرحة في بطنه وقيء متواصل، بعد تناوله لوجبة غذائية داخل منزله يوم الأربعاء الموافق 15 أيلول الماضي. واتهمت أسرة الطفل مستشفيين حكوميين بالإهمال في علاج ابنها بعد ان أورد التقرير الطبي أن الوفاة كانت بسبب quot;الجفافquot;
وقد افاد والد الطفل بأنه قدم بلاغا للشرطة في منطقة الحيرة على مستشفيين حكوميين وان ابنه توفي نتيجة للإهمال، حيث لم تقدم له الخدمة اللازمة، ، فقد قام الطبيب المناوب بإعطائه محلولاً وريدياً مغذياً فقط، من دون إجراء أي تحاليل مختبرية، وطلب من والده العودة به إلى المنزل لأنه بخير، ناصحا اياه بإعطائه عصيراً وسوائل فقط

وفي تفاصيل الحادثة فإن العائلة المكونة من الزوجة والابنة ( نعيمة 13 سنة ) والابن (طاهر 9 سنوات ) قد شعروا بعوارض تسمم وقيئ فهرعوا الى المستشفى حيث رفضت الطبيبة المناوبة استقبال حالة الطفل، بحجة أن المستشفى لا يوجد فيه قسم أطفال، وتمّ حجز الأم وابنتها في المستشفى وإعطاء كل منهما حقنة مهدئة للألم .

ثم توجه الأب مصطحباً ابنه إلى طوارئ مستشفى حكومي آخر، وهناك قام الطبيب بفحصه من خلال وضع يده فقط على بطنه، متلمساً موضع الألم، مشخصًا المرض بأنه quot; فيروسquot; وان الطفل سيكون بخير طالبا من الممرضة إعطاءه حقنة مهدئة للألم من دون أن تجرى له أي تحاليل مخبرية، وبعد ساعة قام الطبيب بكتابة وصفة طبية بالدواء ليتناوله الطفل بعد ساعة، ونصح الطبيب بعودة الطفل إلى المنزل، لكن الألم ازداد على الطفل الذي لم يستطع تحمل القيء المتكررطوال الليل مما دفع بالوالد الى أخذ ابنه الى نفس المستشفى الذي عولج فيه . وقبل ان يصلا الطوارئ اغمي على الطفل في حمام مسجد المستشفى ليفارق الحياة بعد 40 دقيقة فيما أكدت لهم إحدى الممرضات أن نسبة السكر في الدم قاربت 500 لدى الطفل وقت الوفاة .

الاخطاء الطبية : استهتار الأطباء أم قلة وعي المريض

قالت الجرّاحة خ. بيطار لquot;ايلافquot; في حديث حول مضاعفات العملية الجراحية و حدود المسؤولية الطبية :quot; غالبا ما تقع الاخطاء في القطاعات الطبية الذي يعتقد الناس بأنه من الممكن ان تجرى في مراكز طبية وليس مستشفيات لا سيما فيما يتعلق بالعمليات الخفيفة الرائجة كالعمليات القيصرية في الولادة او عمليات الترميم والتجميلquot; موكدة :quot; إنها لابد وان تخضع ايضًا لكافة الشروط المتخذة عند اي عملية جراحية كبرى quot;

وأضافت :quot; بأنه يجب إجراء فحوصات طبية عامّة و شاملة للمريض قبل العملية مهما كانت بسيطة و تتضمن معرفة نسبة السكر والدهون والكولسترول والأملاح في الجسم والهرمونات... ومعدل وجود الكريات البيضاء والحمراء وغيرها والاطلاع العميق على سجل المريض الطبي وان كان يعاني من حساسية تجاه اي مادة او عقار او مخدر ويشترط أيضا -وهو شرط غاية في الأهمية - ان يكون هناك غرفة عمليات متكاملة ndash; وهو امر مفقود في المراكز الطبيةquot;

من جهة أخرى فقد أشارت بيطار الى ضرورة وجود فريق طبي الى جانب الطبيب الجراح يشتمل على :quot; طبيب تخدير و طبيب باطنية ، وطبيب متخصص في حالات العناية المشددة وخبير متخصص بالتغذية quot; لتدارك اي مضاعفات ممكن ان تحصل. ناصحة الأفراد والناس والنساء خصوصًا الى عدم الاقدام على اية عملية quot;لاسيما التجميلية منها quot; دون التأكد من جدارة الطبيب وجدارة المكان الذي تجرى فيه العملية لانه المضاعفات قد تودي بحياة المريض .

وعن استهتارات الاطباء قالت :quot; الطبيب الجراح المحترف الذي يعمل بأمانة وضمير لا يمكن ان يستهتر بأرواح البشر، غير انه يوجد بعض العاملين في القطاع الطبي من يتغاضى عن التزام بشروط المهنة بهدف الجشع والكسب المادي كما ان بعض المراكز الطبية تستغل قلة وعي الناس بالشأن الطبي quot; مشيرة ايضًا الى التلاعب بالفواتير حيث تُضاف الى فاتورة المريض قائمة بأمور ومستلزمات لم تُستخدم خلال العملية التي عادة لا يعلم عنها المريض شيئًا . وقد طالبت كافة وزارات الصحة في الدول العربية بضرورة وجود رقابة لا هوادة فيها على كافة مرافق القطاع الطبي والتأكد من تطبيق المعايير العالمية .

وزارة الصحة تحظر من مزاولة المهن الطبية من دون التأمين ضد المسؤولية عن الأخطاء الطبية

وبالاطلاع على ابرز الاجراءات المتخذة من اجل تفادي الأخطاء الطبية فإن وزارة الصحة الاماراتية قد اعلنت في وقت سابق على لسان الشيخ محمد بن صقر إلى أن وزارة الصحة تتعامل بكل جدية وشفافية مع شكاوى الأخطاء الطبية وذلك لضمان حقوق المرضى وذويهم ولا تهمل أي شكوى ترد إليها، لافتا إلى أن القانون الاتحادي رقم (10 ) لسنة 2008 في شأن المسؤولية الطبية ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم (33) لسنة 2009 بتاريخ 1/10/2009 يعمل على تنظم إجراءات التعامل مع مثل هذه الشكاوى من خلال لجنة طبية استشارية عليا ممثلة فيها كافة الجهات الصحية بالدولة تسمى quot;اللجنة العليا للمسؤولية الطبيةquot; والتي تشكلت بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم (31) لسنة 2009 بتاريخ 30/8/2009 والتي تنظر في قضايا الأخطاء الطبية التي تحال إليها من القضاء أو الجهات الصحية المعنية.

وأكد أن وزارة الصحة على استعداد تام للتعاون مع الجهات القضائية المختلفة بالدولة لتزويدهم بالتقارير الطبية والخبرات المهنية فيما يتعلق بالدعاوى المنظورة أمام المحاكم المختصة، وذلك تحقيقا للمصلحة العامة وتبيانا للحقيقة وترسيخا لمبدأ العدالة.
من جهة أخرى فقد اشار المتحدث الرسمي باسم الوزارة الدكتور أمين بن حسين الأميري المدير التنفيذي لشؤون الممارسات الطبية والتراخيص بأن الوزارة أصدرت تعميما إلى جميع المنشآت الصحية والصيدلانية الخاصة يقضي بحظر مزاولة المهن الطبية في الدولة من دون التأمين ضد المسؤولية عن الأخطاء الطبية لدى إحدى شركات التأمين المرخص لها .

وأوضح أن هذا القرار جاء استنادا إلى المواد 25 و26 و27 من الفصل الرابع من القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 2008 في شأن التأمين ضد المسؤولية عن الأخطاء الطبية التي تنص في مجملها على أن تحظر مزاولة المهنة بالدولة من دون التأمين ضد المسؤولية عن الأخطاء الطبية لدى إحدى شركات التأمين المرخص لها في الدولة، وتتحمل المنشأة الطبية التي تستقبل طبيبا زائرا مسؤولية التعويض عن الخطأ الطبي في مواجهة الضرر من دون إخلال بحقها في الرجوع إلى مرتكب الخطأ .

وينص القانون على أن يلتزم صاحب المنشأة بالتأمين على مزاولي المهنة العاملين لديه عن مسؤولية الأخطاء الطبية، ويتحمل نسبة 80% كحد أدنى من قيمة قسط التأمين السنوي، ويتحمل مزاول المهنة باقي قيمة هذا القسط . حيث ان المادة 26 من القانون تلزم صاحب المنشأة بالتأمين على مزاولي المهنة ضد المخاطر الناجمة عن ممارسة المهنة أو بسببها، ويتحمل صاحب المنشأة كامل قسط التأمين على العاملين لديه في هذه الحالة .

وبموجب القانون، فإنه يتحتم على الجهات الخاضعة لأحكامه أن تعدل أوضاعها خلال فترة ستة أشهر من تاريخ صدور ذلك التعميم، ومن يخالف ذلك تطبق في حقه العقوبات التأديبية المقررة قانونيا في المادة 16 من القانون الاتحادي رقم 2 لسنة 1996 التي تنص على أنه: دون الإخلال بالمسؤولية الجزائية التي تنشأ عن ذات الواقعة محل المخالفة، يجوز للجنة التراخيص الطبية أن توقع على مدير المنشأة أو المسؤول عن تشغيلها احد الجزاءات التأديبية حسب المادة 16 من القانون الاتحادي .quot;