القاهرة: تلتهم الأمراض الناتجة عن التلوث البيئي مثل الفشل الكلوي وفيروس سي والفشل التنفسي وغيرها نسبا تكاد تكون مفزعة من المصريين، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانتشار الأمية وتردي الأحوال المعيشية عامة، وتجاهل أو بمعنى أدق لامبالاة الحكومة المصرية على الرغم من امتلاكها بيانات دقيقة تؤكد هذا الانهيار الصحي الذي يضرب الجسد المصري.


وقد كشف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات وليس لوزارة الصحة أو وزارة البيئة المسؤولتين عن صحة البيئة والمواطن، عن أن نحو 48 في المائة من المصريين محرومون من خدمات الصرف الصحي، أكثرهم في محافظتي أسيوط وقنا وتصل نسبتهم إلى 89 في المائة من أبناء المحافظتين، أما العاصمة القاهرة فوصلت نسبة الحرمان نحو 30 في المائة.

وإذا كان الأمر كذلك فليست صحة المصري وحدها المعرضة لكارثية الأمراض المستحدثة ولكن أيضا البيئة المصرية، والملفت لأي زائر لمصر أن القنوات المائية quot;الترعquot; سواء الممتدة شمالا أو جنوبا لا تجري فيها مياها ولكن quot;مخلفات وقاذورات وما شابهquot;.

التقرير أشار إلى 20 بؤرة تلوث خطيرة في محافظات مصر بسبب القصور في معالجة العديد من محطات الصرف الصحي، مما يترتب على أن هذه المحطات تصرف تلوثها في مجار مائية وتحولها إلى مناطق تلوث بيئي، وعدد من محطات الصرف المنهارة.


إن محطة صرف بركة السبع بالمنوفية تصرف حوالي 3.7 مليون متر مكعب سنويا على مصرف محلة روح، وهذا الأخير تذهب مياهه بما فيها من ملوثات كيمائية وبيولوجية ومرضية إلى منطقة رفع محطة مياه الشرب الخاصة بمحافظتين من أكثر محافظات مصر ارتفاعا في تعداد السكان هما كفر الشيخ والغربية.


أيضا 80 في المائة من العينات التي تم أخذها من منطقة محطة مياه الشرب على النيل في دمياط عام 2008 ثبت عدم مطابقتها للمواصفات بسبب استمرار ضخ الصرف الصحي والزراعي على النيل مباشرة من مضخات الرفع بمصرف السرو.


والأمر لا يتوقف عند ذلك، فمياه الصرف الصحي تستخدم في ري وزرع آلاف الأفدنة هنا وهناك ولكل أنواع الفواكه والخضراوات، فمثلا محطة صرف العاشر من رمضان يتم صرف مياه الصرف الخارجة منها في ري مزرعة على مساحة 110 فدادين.

إن مياه الصرف من أهم مصادر تلوث المجاري المائية لما تحتويه من ملوثات بيولوجية وكيميائية مجمعة من 5 آلاف حوض بالقرى النائية تصب مباشرة دون معالجة في شبكة المصارف الزراعية، بالإضافة إلى وجود فجوة في تغطية شبكات الصرف الصحي بين المدن والقرى، فقد بلغت نسبة تغطية نسبة الصرف على مستوى المدن بعد نهاية المشروعات الجاري تنفيذها بنسبة 100% أما على مستوى الري فيصل إلى 11% بنهاية عام 2010، و40% بحلول عام 2012.


وهناك 222 شبكة تتبع وزارة الري و154 موقعاً لرصد مياه النيل لوزارة الصحة و69 موقعاً لوزارة البيئة عن طريق معامل فروع جهاز شؤون البيئة بالمحافظات، إلا أن هناك قصوراً في برامج الرصد لاعتمادها على القياسات التقليدية للمياه وعدم توفر البيامات الخاصة بالمبيدات والمعادن الثقيلة والهيدروكربونات الطفيليات الوبائية في معظم نقاط الرصد وافتقار معظم برامج الرصد الدورية الموجودة لقياسات الملوثات بالرسوبيات والأسماك والكائنات النباتية والحيوانية الدقيقة الموجودة بالمياه، علما بأنها المرآة الحقيقية للملوثات العضوية والمعادن الثقيلة.


كل هذا والواقع يتجاوز هذه النسبة والكوارث التي أشار إليها التقرير، فقط هذه النسبة تعطي مؤشرا على حجم الدمار الذي لحق ويلحق بصحة وبيئة المصريين، ويفسر هذا الارتفاع الجنوني في نسبة المرضى بأمراض أكثرها لم يعرفها المصريون من قبل مثل الفشل الكلوي وفيروس سي والتيفود والالتهاب الكبدي وأمراض السرطان وغيرها.


يؤكد ذلك دراسة أعدها د. جاد المولى عبد العزيز (أستاذ الفسيولوجي بجامعة المنصورة) جاء فيها أن مياه الشرب الملوثة تتسبب في وفاة 90 ألف مصري سنويا بينهم 17 ألف طفل، ظهور 100 ألف حالة سرطان بواقع 273 حالة يوميا، إضافة إلى 35 ألف حالة فشل كلوي، تُكلف الدولة ما يقرب من نصف مليار إلى مليار جنيه سنويا، 8 ملايين مصري يفترسهم الكبد الوبائي.

ولكن ما أكثر التقارير والدراسات الرسمية وغير الرسمية التي تفضح ما يجري في حق المصريين، وتتجاهلها الحكومات المصرية حكومة تلو الأخرى ووزيرا تلو الآخر، لتتراكم الأوبئة وتتفشى الأمراض.