إيلاف من بيروت: مسألة الهوية هي العمود الفقري الذي يلمّ موضوعات عدد مايو 2023 من مجلة الرفاهية العصرية العربية How To Spend It Arabic، التي تصدرها "إيلاف" متعاونةً مع صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية. ففي هذا العدد، تبحث جو أليسون، رئيسة تحرير How To Spend It بطبعتها الإنكليزية الأصلية، في مكتبة كيم جونز الخاصة، بحثًا عن هوية مختلفة عن هويته الإبداعية بصفته مديرًا فنيًا في قسم الرجال لدى "ديور" وفي قسم النساء لدى "فندي".

جونز جامع كتب ومخطوطات قديمة، يقف أمام خزائن منتصبة من أرض الغرفة إلى سقفها، رسم مخططها الفنان المعروف جان بروفيه، "ويسحب من الرفوف كنزًا تلو آخر. فهذه نسخة أولى من رواية "أورلاندو" التي ألّفتها فيرجينيا وولف، ونسخة ثانية وثالثة ورابعة. فهو يملك منها سبع نُسَخ". في المكتبة نفسها، وقعت أليسون على كنوز أدبية أخرى: "اثنا عشر نقشًا خشبيًا أصليًا" بقلم روجر فراي من عام 1921، وإصدار خاص من "إلى المنارة"، ورسالة موجّهة وجهتها وولف نفسها إلى تي إس إليوت تحدّثت فيها عن تأليفها روايتها "السيدة دالواي". تقول أليسون إن جونز يملك "إحدى أكبر مجموعات بلومبسبوري الخاصة في العالم".

ذواقة هذا العدد هو فرِدِريك بانايوتي، القيّم على أقبية "روينار"، يسرّ لأليس لاسال ببعض أسراره، فيخبرها أن العلامة الفارقة في أسلوبه الشخصي سوار صغير بسيط قدّمته له "دي بيرز" حين أقام مناسبة تذوّق لها في لندن. يقول: "إنه لا يغادر معصمي أبدًا. وهو قطعة نقدية معدنية معلّقة بخيط أسود، مع ألماسة صغيرة مغلفة فيها فيبدو الوصول إليها صعبًا، وهذا يعجبني". أفضل كتاب قرأه في هذا العام هو الرواية المصورة "عالم بلا نهاية"، ألّفها المهندس وخبير المناخ جان - مارك جانكوفيتشي وسلّط فيها الضوء على أثر حياتنا في الكوكب وما علينا أن نفعله للحدّ من أثرنا شخصيًا وعالميًا. يملك بانايوتي نحو 80 نبتة من نبات الريّان، يقول: "أحبّ هذه النباتات لأنها كالقطط، تحتاج إلى الرعاية ولا تحتاج إلى الرعاية في آن". في ثلاجته شامبانيا دائمًا.

في مطعم YOY الأوكراني بدبي

بحثًا عن "مذاق أوكراني في دبي"، وعن هوية لا تفارقنا أينما ذهبنا، تتحدث جورجيا تيندال عن YOY، أوّل مطعم أوكراني في دبي وفي الشرق الأوسط، إذ التقت ميخايلو بيريغوفوي، الطاهي التنفيذي فيه، فقال لها: "نعمل بلا كلل لننشُر هوية المطبخ الأوكراني". ففي الإمارات عشرات آلاف الأوكرانيين، ترحّب بهم في هذا المطعم نادلات يرتدين فساتين وقمصان أوكرانية تقليدية طويلة ومميزة بأنماط جميلة، ويتناولون هناك أطباقًا فيها مكوّنات خاصة لا تتوفّر إلا في أوكرانيا. ويحدثها بيريغوفوي عن حساء "بورشت" المصنوع بالشمندر الشهي والذي يحظى بشعبية عارمة بين الأوكرانيين. وقد أُدرج أخيرًا في قائمة اليونيسكو للتراث المهدّد بالانقراض في أوكرانيا.

وفي مسألة الهوية أيضًا، ها هي ديان كيتون تخبر كارا غيبس عن اعتناقها هوية فنية جديدة يتحدر من افتتانها القديم بالنسيج. فقد تعاونت كيتون مع دار "أس هاريس" للنسيج لتطلق قماشًا خاصًا. تقول غيبس إن هذه "ليست غزوتها الأولى في هذا الإطار، ففي عام 2017، أصدرت أول كتاب لها بعنوان ’المنزل الذي شيّدته منصة بينترست‘، سلّطت فيه الضوء على عملها الإبداعي في مجلّد أعاد إلى الحياة منزلها في لوس أنجليس المشيّد في أوائل عشرينيات القرن الماضي". استلهمت كيتون هويتها هذه من والدتها دوروثي هول، المصوّرة الفوتوغرافية وفنانة الكولاج والخزّافة... وملكة الجمال أيضًا.

الممثلة الأميركية ديان كيتون

وليست كيتون وحدها من بادر إلى اعتناق هوية جديدة، فثمة فنانون غيروا هوية الساعة من وظيفية إلى فنية: لكن، أهذه ساعات أم تحف فنية؟. يقول نِك فولكز إن جورج سوملو، أحد تجار البضائع العتيقة والساعات القديمة منذ عام 1970، رسم الخلفية الثقافية التي ظهرت منها موضة الساعات ذات الأشكال الغريبة في أوائل القرن التاسع عشر. وقد ثبتت هذه الساعات على صينية، أو في علب صغيرة مبطّنة بجلد طري، فكانت زنابق وخنافس قرمزية وثمار فراولة وآلات ماندولين وأفيالًا وقيثارات وغير ذلك. نجدها معروضة كلها في مينا زاهية كالجواهر، غنيّة الألوان تبهر العين وترجع بالذهن إلى عالم عُرِضت فيه هذه التحف الفنية بفخر في صالونات فنادق باريس الكبرى. ربما صار الخيال هوية!

في "حجرٌ فوق حجر"، الطوطم نوع من هوية أيضًا. تقول عنها الفنانة الفرنسية الأرجنتينية لونا بايفا: "أحبّ أن الطواطم مفتوحة أمام التفسير، وهي جزء من تاريخ الفنّ في الكثير من الثقافات. بالنسبة إليّ، إنها تعبير عن مشهد داخلي". أما سيليا ليندسيل، فتخبر هارييت كوك أن الطواطم تشير إلى السماء، "لكنها تركز في الوقت نفسه على الحجارة القديمة المستخرجة من الأرض". اكتشفت سحر الطواطم أول مرة من خلال صديق معالج، "والعمل على الأشكال ومرافقة الألوان لإبداع الانسجام أمران مرضيان جدًا". واكتشفت لورين بيكر روحانية الطواطم في أثناء تواصلها مع الروحانيين ومشاركتها في احتفالات طقوسية في غابة الأمازون البيروفية. تقول: "أحب تقليد الطواطم كونها مكانًا للتجمّعات مخصّصًا للاحتفالات ومكانًا للقاءات المجتمعية".

في تقرير "جميلة كالوردة"، تتحدث روزانا دودز عن الهوية البيئية التي تعتنقها نوريا فال، التي أسست علامة روز (Rowse) التجارية المتخصّصة في العناية الطبيعية بالبشرة في عام 2018، متعاونةً في ذلك مع غابرييلا سالورد التي عملت في مجالَي الأعمال والمال، وانصبّ تركيزهما في الأعوام القليلة الماضية على إجراء البحوث على التركيبات، والوفاء للطبيعة وتعزيز الحركة الجمالية المستندة إلى النبات. تقول دودز إن صناعة مستحضرات التجميل النباتية تتّجه بوتيرة سريعة نحو بلوغ قيمة 20.8 مليار دولار أميركي في عام 2025، ويبدو أن فال ستحصد ثمار جهودها وستحقّق في عام 2023 أرباحًا طائلة.

زاد الوعي بالتأثير البيئي للإفراط في شراء الملابس

في الإطار نفسه، خيار الاستدامة هوية تشهد إقبالًا كبيرًا بعد انتشار الوعي بالتهديد البيئي الذي تتعرض له البشرية. تريد لورين إندفيك إنقاذ الكوكب "بخمسة ملابس فقط". تقول إن بحثًا ألمانيًا يؤكد أن التخفيف من أسوأ آثار للتغير المناخي يستدعي خفض نسبة انبعاثات الكربون السنوية الناتجة من خزانات ملابسنا. تضيف: "في المملكة المتحدة، يعني هذا ألا نشتري أكثر من تسع قطع من الملابس الجديدة سنويًا". متحلّيةً بهذه الروح الإيجابية، تقرر إندفيك حصر مشترياتها من الملابس بخمس قطع جديدة وأربع مستعملة. فمن سيقتدي بها؟

عالم السيارات عامر بالهويات. فكل سيارة تعبير عن شخصية محددة، يتماهى معها الإنسان. ثمة من يقول: قل ما تقود، أقل لك من أنت! اليوم، "السيارة الفقّاعة تُولَد من جديد".

سيارة "ميكرولينو" الجديدة في صالة عرض في سويسرا

يقول روب ماكغيبون إن بعد 60 عامًا على إنتاج آخر سيارة "إيزيتا" الصغيرة المميزة بباب يفتح من الأمام كباب الثلاجة، تُكتب لهذه السيارة - الأيقونة الحياة من جديد بفضل رجل أعاد النظر في تفاصيلها الأساسية. إنها قصة المخترع السويسري ويم أوبوتر الذي أحدث تغييرًا جذريًا في مسألة التنقّل لمسافات قصيرة بتحويل السكوتر اللعبة إلى دراجة صغيرة مصنوعة بالألومنيوم قابلة للطي مخصّصة للبالغين، وإطلاق جيل جديد من هذه الدراجات الصغيرة الثلاثية العجلات للأطفال لتحتلّ منذ ذلك الحين الأرصفة في أنحاء العالم كله. وهو الآن يأمل في إطلاق ثورة مماثلة في سوق السيارات الكهربائية بسيارته "ميكرولينو" الخفيفة جدًا والمخصّصة لشخصين فقط. و"ميكرولينو" مستلهمة من "إيزيتا" الصغيرة التي صمّمت في إيطاليا وأطلقت في عام 1953. طولها 2.52 متر وعرضها 1.47 متر، ويمكن ركن ثلاث سيارات منها ومقدّماتها نحو الرصيف في مساحة قياسية واحدة. يبدو أنها سيارة الغد.

في "مدرسة جيمي شو"، نتعلّم صنع الحذاء. فها هو سيّد صنّاع الأحذية ينقل مهاراته ومعرفته إلى الجيل التالي من الحرَفيين، فتلتقيه ساره سِميك ليخبرها بهوية حذائه. بحسبه، إن لم يرتح المرء في حذائه يُصب جسمه بأضرار، ولا يبقى عموده الفقري مستقيمًا.

ينقل جيمي شو مهاراته في صنع الأحذية إلى حرفيين متخصصين

يقول شو: "كثيرون لا يمشون بطريقة مستقيمة، لأنهم لا ينتعلون أحذيتهم بشكل ملائم". ارتقى شو من إسكافي عادي إلى صانع أحذية الأميرة ديانا، في سيرة هي أقرب إلى الحكاية الخيالية في عالم الموضة. علّمه والده أسس الحرفة ليصنع بنفسه أوّل حذاء حين كان بعدُ في الحادية عشرة. ذاع صيته حين خصّصت تمارا ميلون، وكانت آنذاك رئيسة تحرير قسم الأكسسوارات في مجلة "فوغ" البريطانية، ثماني صفحات للحديث عن أحذيته.

تبدلت الهويات مع تبدّل العصور. في "الفالس الأخير في فيينا"، حضرت روزانا دودز حفلًا فيلهارمونيًا في فيينا، حيث تجمّعَ حشدٌ لأداء الرقصة التربيعية الأخيرة، وهي رقصة من القرن السابع عشر تؤدّيها صفوفٌ مقسّمة في ثنائيات. أحد راقصي الفالس هناك قال لها: "إننا نوع مهدد بالانقراض". تقول دودز إن ثقافة الحفلات الراقصة صمدت على قاعدة نقل الضيوف، لليلة واحدة فقط، إلى زمنٍ غابر حين كانت فيينا مركز الأمبراطورية النمساوية – المجرية، ويتطلّب ذلك درجةً عالية من الأصالة. تضيف: "هذا ما قد يبدو متعارضًا مع حياة القرن الحادي والعشرين، في سياقٍ من المسائل الاجتماعية والسياسية المتبدّلة". فهل تصمد هذه الحفلات الراقصة برومنسيتها وطقوسها أمام هجمة الموسيقى الجديدة؟

هل ولت ايام الفالس في فيينا إلى غير رجعة؟

في الأبواب الشهرية الثابتة، نتعرف في باب "علامة فارقة" إلى متجر "كورينوار" للعطور والشموع النباتية يعبّئها داخليًا، إذ تدخله جيسيكا بيريسفورد فتصفه بالآتي: "نُصبت رفوفٌ شبيهة بالتي نجدها في الصيدليات، ورُصفت فوقها قوارير خزفية وزجاجية بأشكال مختلفة، ألوانها من ألوان الأحجار الكريمة. ثمة طاولة كبيرة قصّت في خشب الجوز ووضِعت في وسط المتجر، هي منصة التعبئة لدى ويتِهيرا، تجمع عليها مكوّنات تأتي من منتجين يتحلّون بأخلاق عالية في أنحاء العالم كله". تتحدث إلى مالكة المتجر تيفاني ويتِهيرا، فتجدها تتبع نهجًا غير تقليدي في تحضير عطورها، تستوحيه من طفولة قضتها بين النباتات العطرية في نيوزيلندا. لذا، تعتمد خشب الصندل الأسترالي وخلاصة القريضة وخشب الأرز، لذا يأتي العطر من دون أثر قوي ينتشر في الهواء عند شمّه للمرة الأولى، بل يحوم حول البشرة، مثل الهمس. بحسب بيريسفورد، قدرة ويتِهيرا على الثقة بحواسها هي السبب في ما تصيبه المهنة الصغيرة لتصنيع العطور من نجاح عالمي، بالرغم من أنها في أبعد نقطة في العالم.

طبق من النيوكي المحضر يدويًا

وإذ تُعِدّ ليلى جوهر "مادبة النيوكي" لعائلتها الجميلة المتحدّرة من أصول مختلفة، تخبرنا أن هذا الطبق واحد من أطباقٍ تتجاوز مجموع أجزائها حجمًا وأهميةً. فالعجينة نفسها مصنوعة بالبطاطا والدقيق والبيض فحسب، "لكن متى دمجت هذه المكوّنات، نحصل على وسادة صغيرة ممتلئة تبدو لي عناقًا في شكل طعام". بحسبها، نوع البطاطا مهمّ. تقول: "اطلبوها كبيرة صلبة ممتلئة وغير مشمّعة. والبطاطا القديمة متفوّقة لأنها تحتوي على كمية أقلّ من الماء، وهذا ما سترغبون في تجنّبه. معظم الوصفات التي رأيتها يحثّ على غلي البطاطا، لكن ينصح بخبزها، وهذا منطقي لأن الخَبز يجفّفها قليلًا".

وفي "حللتم أهلًا" بباب "ترافليستا"، تخبرنا ماريا شولنبارغر عن عناوين حضرية تستحقّ الزيارة، من لوس أنجليس إلى بارك لين، فيما يرشدنا رودري مارسدِن إلى أفضل الأدوات ليكون حضورنا الرقمي طاغيًا. وأخيرًا، "كيف تستمتعون بأوقاتكم في… غرب ساسِكس": يتحدّث الفنانان آني موريس وإدريس خان عن العثور على الإلهام والتحف الأثرية في ساوث داونز، فيقولان: "الصدفة وحدها قادتنا إلى غرب ساسِكس. في عام 2021، قرّرنا مغادرة لندن، واستأجرنا حظيرة قرب بتوورث، في ساوث دوانز، لبضعة أسابيع في البداية. لكن، في لحظة وصولنا، وقعنا في عشق هذا المكان".