الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة quot;الحرةquot; الأميركية عن لاجئي دارفور في الصحراء التشادية كسر صمت الإعلام العربي المضروب على واحدة من أكثر المآسي الإنسانية قسوة كما وصفتها الأمم المتحدة بحسب الإشارة الذكية التي جاءت في مقدمة فيلم quot;كونونوغو: لاجئون في مخيم المنفىquot;، هذه المأساة الإنسانية التي يتحدث عنها الإعلام الدولي والمجتمع المدني الدولي والتي صمت حيالها الإعلام العربي والمجتمع المدني العربي هي، في المقام الأول، مأساة عربية قبل أن تكون مأساة إنسانية، فالضحية عربية والجلاد عربي والشهود عرب.. ولعلنا كعرب أكثر من وجب عليهم الشعور بالعار والخجلhellip; إن بقيت لدينا القدرة على هذا الشعور.
أثار الفيلم أسئلة من خلال الحوارات التي أجراها منتج الفيلم الصحافي محمد اليحيائي، أسئلة جارحة عن صمت العالم العربي وعن صمت المجتمعات العربية وعن صمت الإعلام العربي وأيضا عن انحياز الحكومات العربية ووقوفها مع الحكومة السودانية وغضها الطرف عما حدث ويحدث في دارفور من قتل واغتصاب وتشريد وعن معاناة المشردين من ديارهم منذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم، أسئلة كان يجدر بقنوات مثل quot; الجزيرةquot; القطرية أو quot;العربيةquot; السعودية أن تثيرها، ولو كان هذا الفيلم بث على quot;الجزيرةquot; أو quot; العربيةquot; لكان صداه وأثره أكبر بكثير باعتبار حجم المشاهدة الواسع الذي تتمتع به هاتان الفضائيتان قياسا بحجم المشاهدة البسيط الذي تتمتع به quot; الحرةquot; الأميركية، خصوصا وأن الفيلم كتب بلغة شديدة الصفاء والشعرية وأنتج بمهنية صحافية عاليه وهو ما يحسب للأستاذ محمد اليحيائي الذي يضع من خلال quot;كونونوغو: لاجئون في مخيم المنفىquot; الحرة على مضمار المنافسة تماما كما وضع quot;الحرةquot; من خلال برنامجه المميز quot; عين على الديمقراطيةquot; على جدول المشاهدة الدائمة لدى كثير من المشاهدين العرب.
الحرة ليست محطة عربية.. هذا صحيح، هي محطة أميركية، وربما يكون لها أجندتها السياسية، وإن كنت شخصيا لا أرى أن لها لا أجندة ولا حتى هوية واضحة بل أراها تتخبط دون رؤية ولا هدف واضح باستثناء برامج قليلة جدا تعطي للحرة قيمة وفي مقدمتها quot; عين على الديمقراطيةquot;، لكن quot;الحرةquot; من خلال هذا الفيلم الوثائقي حملت هما عربيا لم تحمله وتقدمه محطة فضائية عربية، هماً قدمته من خلال هذا الفيلم بصورة مهنية عالية وبموضوعية وحياد وبذكاء أيضا.. ولعل المقدمة التاريخية الموجزة التي قدمها الفيلم عن تاريخ إقليم دارفور وكيف كان سلطنة مستقلة قبل أن يضم إلى السودان عام 1917 بقرار من الاحتلال البريطاني وكيف أن آخر سلاطين دارفور quot;السلطان على دينارquot; كان يُسيّر قافلة سنوية لكسي الكعبة المشرفة ويطعم ويسقي الحجاج، لعل هذه المقدمة التاريخية كانت الأكثر ذكاء في الفيلم وهي، بعبارة أخرى، دعوة للعرب وللمسلمين لأن يخجلوا من صمتهم وتجاهلهم لمعاناة من كانوا يُسّيرون قافلة سنوية لكسي الكعبة المشرفة ومن كانوا أول من أحيا السنة النبوية في إطعام وسقاية الحجاج.
كسرت quot; الحرةquot; الأميركية بهذا العمل المميز، دائرة الصمت المضروبة حول مأساة الدارفوريين، وألقت حجرا في مياه المجتمع المدني والحقوقي العربي شبه الراكدة حيال هذه المأساة، فهل يتحرك الإعلام العربي ويضع مأساة دارفور ضمن أولوياته وهل يتحرك المجتمع المدني العربي ويسجل وقفة مساندة، حتى لو كانت متأخرة، مع أخوتنا الدارفوريين؟
أم أن quot; الحرةquot; الأميركية وصحافييها العرب المميزين، على قلتهم، أمثال محمد اليحيائي هم أملنا كعرب في إثارة قضايانا وتسليط الضوء عليها بمهنية وموضوعية وتجرد ؟؟
التعليقات