مفارقة غريبة ان نجد من يخرق مبدأ العدالة والمساواة الأديان نفسها، وتكرس العنصرية في نفوس أتباعها، فجميع مبشري الأديان بلا أستثناء سثقطوا بهذا المنزلق الخطير وأخفقوا في انتاج فكر انساني رحب يزرع في أرواح المؤمنين الإيمان الحقيقي بمبدأ العدالة والمساواة بين البشر بعيدا عن معتقداتهم الدينية، اذ كانت الأديان ومازالت كل واحد منها و كل طائفة تدعي احتكار الإيمان والحقيقة، وهذا الادعاء يقود بالضرورة وبصورة حتمية الى الفكر والسلوك العنصري الذي يعطي الحق لمن يعتقد به النظر للآخر المغاير له نظرة دونية فيها اقصاء وتخطئة و تكفير!

فمبرر وجود الاديان والطوائف في عزلتها وعدم أفتتاحها على الآخر المغاير... هو التمترس خلف سياج سميك من البناء الأيديولوجي الذي يعطيها الأفضلية والصواب المطلق والقرب من الله واحتكار الايمان الصحيح ومعرفة الحقيقة... وبالتالي فأن هذا الأعتقاد هو مهاجمة صريحة للآخر واقصاء له عن دائرة الايمان وحرمانه من التمتع بمحبة وبركة الله... وعليه فأن هذا الآخر المغاير في الدين هو اقل شأناً ومكانة ويؤمن بمعتقدات خاطئة، وهو كافر، ويصل الأمر بالدعوة الى قتل المغاير لها مثلما حصل سابقا ويحصل الآن من قبل كافة الأديان!

ومنزلق ادعاء احتكار الايمان الصحيح.. نتج عنه مفهوم الفرقة الناجية على مستوى الأديان والطوائف بمختلف المضامين والتعبيرات، وفحواه يقول : بما أني من أتباع الفرقة الناجية فأني سأحظى ببركات ومحبة الله.. أما الآخر المغاير لي فهو خاطيء وعلى ضلال وسيحرق في نار جهنم !

أما خطورة معتقد الفرقة الناجية على المستوى السلوكي فتكمن في تنمية وزرع مايسمى (( بالحقد المقدس )) اذ انه يؤجج مشاعر الكراهية والحقد ويقود الى جرائم التعصب والعنصرية والإرهاب والقتل بدم بارد وضمير مرتاح دون أدنى شعور بالذنب والتردد، طالما ان الدافع الى هذا (( الحقد المقدس )) هو الدين، فأن الشخص المؤمن سيندفع بأقصى طاقة مشاعره العدوانية وينفذ جريمته ضد الآخر المغاير له في منتهى القسوة والوحشية وهو في غاية الرضا والسعادة، لاحظ على سبيل المثال جرائم الإرهاب القتل الجماعي بالمفخخات وقطع الرؤس المتبادلة بين الشيعة والسنة ضد بعضهم البعض، أوداخل الطائفة الواحدة، وغيرها من الجرائم بالنسبة لبقية الأديان كالمسيحية واليهودية خلال مراحل التاريخ الماضية!

والسؤال: من يوزع رضا وبركات ومحبة الله.. الانسان أم الله نفسه خالق الكون والبشر والعارف بأسرارهم، فاذا كان موضوع الإيمان والكفر هو من أختصاص الله وحقه على الناس، فما دخل البشر في حشر أنفسهم في هذا الموضوع وقيامهم بتوزيع شهادات الإيمان والكفر وبطاقات الدخول الى الجنة والنار، أليس معتقد الفرقة الناجية وادعاء احتكارالايمان والصواب والقرب من الله هو تجاسر على أختصاصات الله؟

[email protected]