أعتقد.. ان من الاخطاء الكبيرة التي ترتكب بأسم الديمقراطية ان يسمح للاطباء في الترشيح للانتخابات البرلمانية التي يجري التحضير لها في العراق، كما انني لا اعرف ماذا يريد هؤلاء الاطباء من هذا الترشيح الذي لا يمكن ان يقارن لما لديهم من مهنة انسانية عظيمة تفوق ما لدى البرلماني، فالناس بحاجة الى الطبيب اكثر من حاجتهم الى البرلماني، خاصة مع الظرف العراقي الحالي الذي تشكو في المستشفيات من قلة الاطباء والكفاءات، فمن الممكن تعويض البرلماني ولكن لا يمكن تعويض الطبيب ولا يمكن ان يأخذ احد دوره المباشر في تقديم خدماته للناس.

لذلك كان لابد من تشريع قانوني جريء يمنع الاطباء في العراق من الترشيح للانتخابات، ذلك لان الاطباء تقع على عواتقهم مسؤولية اخطر من مسؤولية البرلماني.

انا اعتقد ان الطبيب الذي يتخلى عن مهنته لصالح ان يكون عضوا في البرلمان لايمتلك الوعي الكامل بماهية مهنته الشريفة والمقدسة وقدرها، كما اعتقد انه لا ينظر الى خدمة المجتمع بما تمليه عليه المسؤولية الحقة، وما ذهابه الى البرلمان الا تجسيد للروح الانانية التي تتملكه وتغذي شرايينه وأوردته، لكي يحظى بشهرة اوسع او مكانة يتصورها اكبر من مكانته كطبيب، وليته يعلم انه حين يصبح عضوا في البرلمان لم يعد لديه الوقت الكافي ليعطي جزء من كفاءته للمرضى، وكنا قد شهدنا ان البرلمان العراقي كيف كانت جلساته تستمر الى ساعات متأخرة، او تمتد الى ساعات طويلة، وان انشغالاته كبرلماني تجهد عقله وجسده وتستهلك طاقته الابداعية، ونحن نعرف ان البرلماني يعيش سجالا طويلا ومجاملات لا حدود لها، وليت الطبيب يعلم ان شهرته كطبيب اوسع واطيب سمعة وأهدأ ضميرا واكثر رضا، بالاضافة الى المردود المالي الذي يضاهي ما يحصل عليه البرلماني، اذا ما علمنا ان الخطر الذي يحدق بالبرلماني اكبر من الخطر الذي يحدق بالطبيب.

اعرف طبيبا جيدا يقف العشرات من المرضى على ابواب عيادته يوميا، ولكنه انشغل مؤخرا بالحملة الدعائية للانتخابات بعد ان رشح نفسه اليها، ولم يعد لديه الوقت الكافي للمعاينة على المرضى وتقديم العلاج لهم، بل انه صار يعطي جزء من وقت المعاينة للحديث عن الانتخابات ودعوة المريض الى انتخابه، ولا اعرف ماذا يريد اكثر من المنصب الجيد والسمعة الطيبة والدعاء الجميل من التاس حين يخفف عنهم اوجاعهم، انه يمشي (على طوله) وتستقبله الناس بالابتسامات والاحترامات.

من الضروري جدا.. اصدار قانون يمنع الاطباء من الترشيح للانتخابات، ومن الضروري جدا ان ينتبه الطبيب الى نفسه ويحترمها قبل ان يزج نفسه في اتون عالم لايناسبه تماما ولايمثل بيئته الحقيقية، وقبل ذلك من الضروري جدا ان لا ينتخب الناس طبيبا تقديرا لمهنته الانسانية ومن اجل منع الانانية لديه ان تنمو الى الحد الذي يفقده انسانيته.