ياسين الحاج صالح أسم غني عن التعريف، في الثقافة العربية والسورية الآن، وهو انجاز كان لمثابرة ياسين، الدور الأساسي فيه. الحوار معه ينشط ذاكرة المرء، يحفزه لكي ينبش، مخزونه الثقافي والمعرفي، ويمتحنه، ويخاف المرء بالتالي على مفاهيمه التي يمكن أن تنهار فجأة، في أي حوار يمكن للمرء أن يجريه مع الصديق العزيز، ولهذا الخوف بالنسبة لي لذة خاصة، لأنه ملتصق بتوقي للمعرفة، حتى لو انهارت كل العمارة المفاهيمية الصغيرة، والهشة التي استند عليها. فهو يميل إلى الهندسة المفاهيمية، ودون أن ينتج بناء، وهنا الخطورة في الحوار مع ياسين، يجب أن تتابع كل ما يكتب، وكل ما ينشر، وتبقى حريصا ألا تتوه في اجزاء بناءه المتبعثرة في حواري وأزقة الأنساق المعرفية والأيديولوجية، التي يمتح منها ياسين، ولكنه يتمثلها ويهضمها ويعيد إنتاجها، وفقا لروحه المتمردة على المفهمة ذاتها كمثقف نقدي في كثير من المحطات، فلا يركن ولا يهدأ، يصحح ذاته، أحيانا بشكل أسبوعي تقريبا، فكل مقال لياسين تجد جديدا مهما كان صغيرا أو كبيرا. لأن كل مقال له، فيه جانب حواري مع آخرين، مع أنساق أيديولوجية، يحاول ياسين أن يرد عليها ويعيدها إلى جذورها، المعرفية والثقافية والسياسية. وهذا يجعل مادته الأساس هي الشغل النقدي على ما يقوله الآخرون.
خلافي الأساس مع ياسين، هو إصراره على التنظير للحالة العربية، وما يترتب على ذلك من خلافات جزئية هنا وهناك. وإن كان الهم السوري طاغيا في كل ما يكتب. بعكس أسماء كبيرة وكثيرة في سورية، التي يغيب عنها الهم السوري، تحت غطاء التنظير والشغل على الحالة العربية ككل، أي دوما أجد هؤلاء الأصدقاء مشغولين بأوضاع أكثر من عشرين دولة عربية، باعتبار أن دولة جزر القمر، لم تدخل حيز الاهتمام القومي لهؤلاء الأصدقاء، لا أعرف كيف يمكن لأي كان أن يتابع أسبوعيا التنظير في أوضاع عشرين دولة!؟ لهذا يتحدثون عن غياب الحريات العامة، فتصبح ليبيا كمصر، يتحدثون عن غياب للحريات الفردية، فتصبح لبنان كالسودان! لكن ياسين رغم خلافي معه حول ذلك، نجده يحاول عدم تجاوز هذه النسبية في اختلاف أوضاع كل دولة على حدا..من خلال تناوله لمسائل ثلاثquot; الإسلام السياسي والعلمانية كسردية صغرى، الثقافة العربية وغياب جانبها النقدي، الدولة السلطانية في العالم العربي وغياب الحرياتquot; في الدولة السلطانية نجد أن ياسين يعمم الحالة السورية على كل الأوضاع في الدول العربية، فتصبح كل الدول العربية هي دول سلطانية بهذا الشكل أو ذاك. وهنا ناتي إلى لب نقدنا لياسين، وهو التعلق بالنمذجة، النماذج التي يبنيها ياسين كأدوات نظرية تصلح لتحليل كل الوقائع العربية.
كنت في حوار بيني وبين ياسين، قد أشرت له أن نموذجه النظري عن الطائفية وعلاقتها بالاستبداد السياسي والثقافي، لا يصلح لقراءة الواقع خارج سورية. وهنا يمكن للمرء أن يرى مفهومquot; الليبرالية الاجتماعية في سوريةquot; من خلال حديث ياسين عن العلمانية والعلمانوية والإسلام السياسي فيها، والليبرالية الاجتماعية تتعلق بما يمكننا تسميته بالحريات الفردية في سورية. والذي لا تقترب منه السلطة السياسية! ولكن لماذا؟ هنا أود ان أسأل ياسين؟
هل لأن لديها هاجس العلمانية! ام يعود الموضوع لجذور المسألة الطائفية في سورية؟ والتي يعتبرها ياسين ميزة لها وقع إيجابي على المجتمع السوري وهذا صحيح، بينما في الواقع لم يسن المشرع السوري منذ عام 1970، قانونا واحدا يحمي هذه الحريات الفردية الموجودة أصلا في المجتمع السوري. بينما في مصر التي يتعرض لها ياسين من خلال مشهد الإسلام السياسي هناك، أرى أن الليبرالية الاجتماعية أعلى ومتناسبة مع درجة الليبرالية السياسية، الغائبة عن سورية، في أجواء الازدحام الفكري والسياسي في مصر من خلال درجة الديمقراطية الموجودة هناك، تجعل وكان الإسلام السياسي المصري هو الذي يسيطر على المشهد الاجتماعي مما يجبر المجتمع على التخلي عن ليبراليته الاجتماعية، وهذا غير صحيح. نحن نتابع معارك الثقافة والإعلام المصري، من خلال الفسحة الديمقراطية هناك، وبالتالي هذا الإعلام حريص على متابعة النشاط المعارض، اكثر مما هو حريص على رصد الوقائع الجزئية والحقيقية في المجتمع المصري، ولهذا التغييب أسبابه الكثيرة، أهمها تناول السلطات في مصر من زاوية المسالة الفلسطينية وموقف التيار الإسلامي العربي منها، وهنا تحال كثيرا من الأمور والقضايا، إلى حقل الصراع السياسي المراد تسمية الأشياء خارجه، ربما هي لعبة سلطة، لن نخوض فيها الآن...قبل ان انهي هذا الجزء لا بد من أن أشير ان ياسين يكتب ما يكتب من داخل سورية...وهذه بحد ذاتها تجعل نقدنا ناقصا...يتبع.
بروكسل
التعليقات